تحتفل روسيا في الثاني عشر من يونيو بعيدها الوطني، ويرمز هذا اليوم، تاريخياً، إلى اعتماد إعلان سيادة الدولة للاتحاد الروسي السوفيتي الاشتراكي، قبل 35 عاماً، وكان ذلك هو الاسم الرسمي لروسيا خلال الحقبة السوفيتية.
غير أن تاريخ بلدنا يمتد لأكثر من ألف عام، فروسيا الحديثة هي الوريث لكييفان روس القديمة، وقيصرية موسكو، والإمبراطورية الروسية، وأخيراً الاتحاد السوفيتي. وتمتد روسيا لآلاف الكيلومترات من بحر البلطيق في أوروبا إلى المحيط الهادئ في أقصى شرق آسيا، وتمثل حضارة فريدة ومتميزة بعاداتها وتقاليدها الغنية الخاصة بها.
وتُعد الثقافة الروسية جزءاً لا يتجزأ من التراث الثقافي العالمي، فمن المستحيل تصور الأدب العالمي من دون أعمال تولستوي ودوستويفسكي، أو الموسيقى من دون إبداعات تشايكوفسكي وشوستاكوفيتش.
وعلى مدار تاريخها، واجهت روسيا تحديات لا تُعد ولا تُحصى، فقد حاول إخضاعها العديد من الغزاة الأجانب، من جحافل المغول بقيادة جنكيز خان في العصور الوسطى، إلى الغزاة الأوروبيين مثل نابليون وهتلر في القرنين التاسع عشر والعشرين. ومع ذلك، لم تصمد بلادنا أمام هذه الهجمات فحسب، بل ساعدت شعوباً أخرى خاضعة على التحرر، كما أن مساهمة الاتحاد السوفيتي في تحرير شعوب آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية من الاستعمار الأوروبي الغربي معترف بها على نطاق واسع.
وفي ظل التحولات الجيوسياسية الراهنة، لا يتردد الغرب الجماعي الذي يمر بأزمة نظامية، عن استخدام جميع الوسائل للضغط على من يرفض الخضوع لإملاءاته، وتُستخدم العقوبات الاقتصادية، والضغوط السياسية، والتهديد بالقوة. وفي ظل هذه الظروف، تتصدى روسيا للهيمنة الغربية التي تسعى إلى عزل بلدنا وإلحاق هزيمة إستراتيجية به. ومع شركائنا المتفقين معنا في الرؤية، ندعو إلى نظام عالمي جديد وعادل متعدد الأقطاب، قائم على المساواة الحقيقية، دون إملاءات أو معايير مزدوجة، أما المفهوم الغربي لما يُسمى «النظام الدولي القائم على القواعد» فلا يخدم مصالح الأغلبية العالمية.
وبالنسبة للعالم العربي، لطالما سعت روسيا إلى بناء علاقات ودية قائمة على الاحترام المتبادل ومراعاة المصالح المشتركة، وهذا ينطبق تماماً على دولة الكويت، فقد بدأت أول الاتصالات الثنائية بين بلدينا في مطلع القرنين التاسع عشر والعشرين، عندما بدأت السفن الحربية الروسية تزور الكويت في عهد الأمير الأسطوري مبارك الكبير. وقد أُقيمت العلاقات الدبلوماسية مع الاتحاد السوفيتي في عام 1963، وكانت الكويت أول دولة خليجية تقوم بذلك.
ونحن نكن كل التقدير لسياسة القيادة الكويتية الحكيمة والثابتة، والتي تركز دائماً على تعزيز المصالح الوطنية، وتسعى للحفاظ على علاقات متوازنة مع القوى العالمية الكبرى. ولهذا السبب، صمدت علاقاتنا الثنائية أمام اختبارات الزمن ولم تتأثر بتغير المناخ السياسي الدولي. ومن المهم أن نذكر أنه خلال العدوان العراقي في 1990–1991، وقفت بلادنا بحزم إلى جانب الكويت سياسياً ودبلوماسياً، وفي تلك الأيام، حُفظت روائع الفن الإسلامي من المجموعات الكويتية في أكبر متاحف روسيا، متحف الإرميتاج في سانت بطرسبورغ، حيث كانت معروضة قبل العدوان في إطار تبادل المعارض.
وعلى الصعيد السياسي، تحافظ بلادنا على حوار منتظم مع الكويت، ففي عام 2024 وحده، التقى وزراء خارجية روسيا والكويت مرتين – في يوليو بنيويورك، وفي أكتوبر بموسكو. وستُعقد لقاءات أخرى مستقبلًا، حيث ستستضيف مدينة سوتشي الروسية، في سبتمبر المقبل، الجولة الوزارية الثامنة من الحوار الإستراتيجي بين روسيا ومجلس التعاون الخليجي في سبتمبر، الذي تترأسه دولة الكويت حالياً، كما من المقرر عقد أول قمة روسية - عربية في موسكو في أكتوبر المقبل.
وعلى الصعيد الاقتصادي يتعاون البلدان بصفتهما منتجين ومصدرين مهمين للنفط – بشكل وثيق في إطار «أوبك+» - للحفاظ على استقرار أسواق النفط العالمية. وهناك مصالح مشتركة في مجالات أخرى أيضاً، مثل تصدير المنتجات الزراعية الروسية عالية الجودة إلى الكويت، والذي يشهد نمواً سنوياً ملحوظاً.وقد أصبح قطاع السياحة أخيراً مجالاً مهماً آخر للتعاون الثنائي، فروسيا أصبحت اليوم من الوجهات الجديدة المفضلة لسياح دول الخليج، ففي 2024، زار 15 ألف كويتي روسيا، وهو ضعف عدد الزوار في العام السابق، منجذبين للتراث الثقافي والتاريخي الغني لروسيا، والطبيعة الخلابة، والبنية التحتية المتطورة، ومستوى الأمن والأمان، وسهولة الحصول على التأشيرات الإلكترونية. كما تلعب سهولة الوصول عبر الطيران دوراً مهماً أيضاً، إضافة إلى الرحلات المباشرة الحالية التي يشغلها «طيران الجزيرة» من الكويت إلى موسكو، سيضاف هذا الشهر وجهة جديدة إلى مدينة سوتشي، المنتجع الروسي الشهير على البحر الأسود.
وتُكمل الروابط الثقافية التعاون القائم في المجال الإنساني والسياحي، ففي سبتمبر الماضي، نُظم «أسبوع الثقافة الكويتية» في موسكو بنجاح، وفي خريف هذا العام، ستستضيف مدينة الكويت فعالية روسية مماثلة.
* سفير روسيا الاتحادية لدى الكويت