الدكتور حامد لبيب أحمد - المصري الجنسية - أحد بواسل مستشفى العدان إبّان الغزو البعثي.
فإلى جانب صموده واستمراره في أداء واجبه الإنساني طوال فترة الاحتلال، لساعات طويلة يوميا من دون إجازات، كان الدكتور أحد أعضاء الكادر الطبي الذي عالج جرحى المقاومة وزوّدهم بالأدوية اللازمة سرّا، كما شارك في تهريب بعض الأدوية القيّمة والمعدّات الطبية إلى خارج المستشفى وإخفاء بعض آخر منها في الفراغات أعلى أسقف المستشفى، خشية من مصادرتها من قبل جنود الاحتلال.
خلال فترة الاحتلال الغاشم، سكن الدكتور وأسرته في سكن الأطباء الملّحق بالمستشفى.
وفي يوم السبت الموافق 9 فبراير 1991، أثناء عودته وزوجته الدكتورة اخلاص أحمد إلى مسكنهما، سقط صاروخ عند مدخل السكن، لتصيب شظايا منه عين وأنف الدكتور وعين وكتف زوّجته. تعافت لاحقاً زوجته من إصاباتها. وأمّا الدكتور، اضطرّ الأطباء لإزالة أنفه وعينه اليسرى.
ورغم التبعات الصحّية والنفسية للحادثة، استأنف الدكتور إجراء عمليات جراحية طارئة وغير طارئة، بعد ثلاثة أيام فقط من تلقي العلاج، إلى يوم التحرير ووصول بعثات من الجراحين من مختلف الدول الشقيقة والصديقة. حينها أُعيد الدكتور الى سريره بالمستشفى ليستكمل علاجه.
بعد فحص الدكتور من قبل لجنة طبية أميركية، تقرّر إيفاده إلى الولايات المتحدة لتلقي العلاج الفوري من أجل ترميم أنفه وتنظيف تجويف عينه المصابة واستبدالها بعين صناعية شكلية.
وبالفعل أجريت له عمليات جراحية عدّة على يد الدكتور جوزيف مكارثي أستاذ جراحة التجميل بجامعة نيويورك.
بعد فترة علاج في الولايات المتحدة امتدت إلى ما يقارب السنة، رجع الدكتور وأسرته إلى الكويت، وعاود ممارسة مهنته الإنسانية حتى نهاية عام 2023، أجرى خلال هذه السنوات الطويلة الكثير من العمليات الجراحية، ودرّب العديد من الجراحين المبتدئين، من بينهم عدد من الجراحين البارزين اليوم.
بالنسبة لمرضى الدكتور، رأوا فيه طبيباً متمرّساً متواضعاً مهتماً بمتابعة علاجهم بمهنية عالية وبمشاعر إنسانية. وبالنسبة لمن درّبهم، تلمّسوا منه حرصه على اكسابهم كل ما لديه من معارف ومهارات وقيم.
قبل يومين، بلغني أن الدكتور حامد توفّاه الله في مصر قبل أيّام قليلة. الغريب في هذا الخبر المحزن هو كونه مِصْداقاً لادعاء الدكتور المكرّر بأن وطنه الفعلي هو الكويت، وليس مصر (بلده الأصل) التي فيها يحس بالغربة. فالدكتور تُوفّي بعد قرابة ثلاثة أشهر من عودته إلى مصر.
كما بلغني أنهما (هو وزوجته) اضطرّا إلى مغادرة الكويت، بعد أن أنهت الوزارة خدماته لبلوغه السن القانونية، وبعد أن استقالت زوجته من العمل في المستشفى الخاص، الذي اضطرّت للعمل فيه لأشهر عدة من أجل تجديد إقامتيهما.
المراد أنني انزعجت واستغربت عندما علمت أنهما لم يُمنحنا إقامة دائمة، نظير تضحياتهما وتفانيهما في عملهما. فإلى جانب القيم الإنسانية، المسألة لها جوانب أخرى، كالجانب التنموي.
فالكويت لن تكون جاذبة للمتخصّصين المتفانين وغيرهم من الثروات البشرية المطلوبة لتحقيق «رؤية الكويت 2035»، إذا لم نقدر تضحيات السابقين منهم.
فإلى جانب بسالة المرحوم زوجها إبان الاحتلال، كانت الدكتورة اخلاص متخصّص التخدير الوحيد في مستشفى العدان من سبتمبر 1990 إلى يوم التحرير.
لذلك، من أجل المساهمة في تحقيق «رؤية الكويت 2035»، أناشد وزير الداخلية النظر في منح الإقامة الدائمة «للدكتورة الصامدة أرملة الدكتور الباسل»، وفاءً لبسالة زوجها الطبيب الإنسان، وتقديراً لصمودها وخدماتها إبان الاحتلال، وإيماناً بأهمية ترسيخ قيم العمل والولاء الوظيفي بين المواطنين والمقيمين، وتطبيقاً لمبدأ أن الكويت لا تنسى من يتفانى في خدمتها، مواطنا كان أم مقيما ... «اللهم أرنا الحقّ حقّاً وارزقنا اتّباعه».