من قلب العاصمة الروسية موسكو النابض بالحياة، حيث تتقاطع الرفاهية مع العراقة، شاركت جريدة «الراي» في احتفالية مرور 90 عاماً على انطلاق أول رحلة لمترو موسكو، بدعوة كريمة من إدارته، ضمن برنامج خاص جمع صحافيين من مختلف أنحاء العالم.
وعلى مدى أربعة أيام، غاص الوفد الإعلامي في عمق العاصمة الروسية، متنقلاً بين محطات التاريخ، ونبض الشارع، ومياه نهر موسكفا، في رحلة ثقافية وسياحية ثرية، جسّدت الروح النابضة للمدينة التي لا تنام.
من المترو الذي تحوّل إلى متحف تحت الأرض، إلى الكرملين، وشارع «أربات»، وحديقة «VDNKh»، كانت موسكو تستعرض تاريخها بكل فخر، وتسرد أناقتها بمنتهى الكمال، وتُعيد رسم مشهدها الحضاري أمام عدسات الصحافة العالمية.
مترو موسكو العتيق، فتح أبوابه للركاب لأول مرة في 15 مايو 1935، وخلال الاحتفال بمرور 90 عاماً على تلك الرحلة، شهدت المناسبة سلسلة من العروض التي أوقدت جذوة التاريخ، من عرض أول قطار استخدم، إلى استعراض الأزياء القديمة والأشغال الفنية التي استصحبت عصوراً مختلفة من الماضي الجدير بالاحتفاء.
الفعالية شهدت تفاعلاً لافتاً من السكان المحليين، حيث يمتد اليوم هذا الصرح العملاق على شبكة تزيد على 550 كيلومتراً من السكك الحديدية، ويضم 302 محطة، ويخدم أكثر من 8 ملايين رحلة يومياً، مما يجعله من بين أكبر وأحدث أنظمة المترو حراكاً وحيوية في العالم.
نائب عمدة موسكو لشؤون النقل والصناعة، ماكسيم ليكسوتوف، يستعيد أجواء الحدث، ويقول: «كان افتتاح المترو في عام 1935 حدثاً تاريخياً لموسكو وروسيا كلها، ومنذ ذلك الحين، حرص العاملون والبناؤون على تقديم أعلى معايير الخدمة، ونحن اليوم، ووفقاً لرؤية العمدة سيرغي سوبيانين، نواصل هذا النهج بثبات. أكثر من 65 ألف موظف يعملون يومياً لخدمة الملايين وكسب ثقتهم».
الراحة والأمان
بدأ المترو مسيرته بخط قصير يمتد من «سوكلينيكي» إلى «بارك كولتوري»، مع فرع يصل إلى «سمولينسكايا»، على مسافة لا تتجاوز 11.5 كيلومتر، وضم 13 محطة فقط. أما اليوم، فقد تطور ليصبح شبكة ضخمة نقلت العام الماضي فقط 2.7 مليار راكب، وتضم أسطولاً حديثاً من القطارات تُشكّل فيه القطارات الجديدة 77 في المئة من الخدمة، وهي من أعلى نسب التجديد في أوروبا وأميركا الشمالية على حد سواء.
وعلى مدى تسعة عقود، شكّل مترو موسكو مختبراً حياً للتطوير التكنولوجي في عالم النقل، فمن العربات التقليدية من «النوع A» في ثلاثينات القرن الماضي، إلى قطارات «موسكفا - 2024» المتطورة، يعكس كل جيل من القطارات التزاماً بالتميز الهندسي، والراحة والأمان.
متحف تحت الأرض
تتميز القطارات الحديثة بمقصورات مفتوحة، وتصميمات مريحة، وأنظمة تحكم مؤتمتة في السرعة، تتيح تقليص زمن الانتظار في أوقات الذروة إلى 90 ثانية فقط بين كل قطار وآخر.
وبفضل تصميم محطاته الفريدة وزخارفه المعمارية الغنية، يُعد المترو متحفاً تحت الأرض ومصدر فخر وطني لروسيا، وقد ألهمت هندسته العديد من أنظمة المترو حول العالم، كما أن إدارته تواصل تبادل الخبرات التقنية مع نظيراتها في مختلف الدول.
رحلة عبر الزمن
قدّمت موسكو يوماً حافلاً بالتجارب الثقافية والتاريخية الممتعة، تخلله رحلة عبر الزمن بدأت بزيارة معرض احتفالي يعود بالزوار إلى حقبة التسعينات، في موقع مخصص لتاريخ المترو العتيق، حيث ارتدى المشاركون أزياء مستوحاة من ستينات القرن الماضي، وتم عرض أول قطار مترو يعود إلى ثلاثينات القرن العشرين.
قصة تطور المترو
تخللت الاحتفال بالمناسبة التاريخية، فعاليات متنوعة، من بينها:
• إعادة تمثيل لحظة الافتتاح التاريخي في محطة سوكلينيكي
• إطلاق قطار تراثي مُرمَّم من النوع A
• استعراض للقطارات على الخط الدائري
• معارض للقطارات القديمة والمعدات الخاصة التي تحكي قصة تطور المترو
ريادة رقمية في قلب الأنفاق
إلى جانب التطور الهندسي، برز مترو موسكو كنموذج رائد في التحول الرقمي، حيث يوفر اليوم نظام تذاكر يُعد من الأكثر تقدماً في العالم، يشمل:
• الدفع البيومتري
• بطاقة «ترويكا» الذكية
• خيارات التذاكر الافتراضية
رحلة نهرية داخل العاصمة
اختُتم اليوم بجولة نهرية فاخرة على متن سفينة مزودة بمطعم متكامل، عبر نهر موسكفا الذي يخترق العاصمة الروسية، مانحاً الركاب منظراً بانورامياً خلاباً للمدينة بعيداً عن الزحام المروري.
وأثناء الرحلة، مررنا بجوار ناطحات السحاب السبع الشهيرة المعروفة بـ«الأخوات السبع»، والتي تم بناؤها بأمر من ستالين عام 1947، بمناسبة الذكرى الـ800 لتأسيس موسكو. كان المخطط أن تُبنى ثمانية أبراج على تلال المدينة السبع، لكن لم يُنجز سوى سبعة فقط.
وتضم هذه المباني اليوم، وزارات حكومية وفنادق راقية وشققاً سكنية فخمة، كانت مقراً للنخبة السياسية والثقافية في روسيا.
مسجد موسكو... رمز التعايش
من المشاهد الرائعة مسجد موسكو الكبير، الذي يقع في منطقة بارزة في العاصمة، ويُعد من أكبر المساجد في أوروبا.
تصميمه المعماري المهيب، بمآذنه الذهبية وقبته الخضراء، يعكس التفاعل الثقافي والديني داخل المجتمع الروسي، ويجمع المصلين من مختلف الجنسيات في مشهد يعكس التسامح والتعددية.
«VDNKh»... التحفة الفريدة
تعتبر حديقة VDNKh في موسكو، تحفة فنية تجسد تنوع الثقافات والإنجازات الاقتصادية، بمساحة تصل إلى 520 هكتاراً، تضم أجنحةً تاريخية تمثل جمهوريات سوفيتية سابقة، مثل أذربيجان وكازاخستان، حيث يعكس كل جناح تراث بلاده، عبر تصميمات معمارية فريدة.
تزخر الحديقة بالنوافير الساحرة، مثل «نافورة الصداقة بين الشعوب»، والمتاحف التفاعلية، وأماكن الترفيه العائلية، كما تحتضن معارض دائمة للابتكارات الزراعية والصناعية، فضلاً عن مساحات خضراء شاسعة.
تنظيم بديع ورحلة طيران سلسة
خالص الشكر والتقدير إلى إدارة مترو موسكو على دعوة «الراي» لحضور هذه الاحتفالية المتميزة، التي سلّطت الضوء على إرث حضاري وخدمي استثنائي امتد لتسعة عقود.
والشكر لـ «طيران الجزيرة» على التسهيلات المميزة خلال الرحلة المباشرة من الكويت إلى موسكو، حيث كان التنظيم سلساً والتعامل مع الركاب محترفاً وودوداً، ما جعل تجربة السفر نموذجاً للخدمة الراقية والمميزة.