قيم ومبادئ

مخرجات حفلات التخرج

5 يونيو 2025 09:15 م

العلم علمان: علم محفوظ وعلم مفهوم، أما العلم المحفوظ فيستوي صاحبه فيه مع الكتاب المطبوع وجهاز الكمبيوتر، وليس كل من عَلِمَ شيئا فهِمَهُ، فالعلم شيء والفهم شيء آخر، كما قال تعالى «ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكماً وعلماً» (سورة الأنبياء: 79). ومن رحمة الله أنه يسّر لنا هذا القرآن الكريم؛ ألفاظه للحفظ والأداء ومعانيه للتدبر والفهم والعلم والعمل، فكل من أقبل عليه يسَّر الله عليه مطلوبه غاية التيسير «ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر» (سورة القمر: 22).

فالحافظ يحفظ ما يسمع لأنه قوي الذاكرة كالطفل في مراحل التعليم الأولى... لأن الحافظة ملكة مستقلة بنفسها عن بقية الملكات... كما أننا نسمع بعض رجال الرعيل الأول يسرد لك من تاريخ شبابه وكهولته ما لو جمعته بكتاب لكان تاريخاً صحيحاً ضخماً مملوءاً بالنوادر. ولكن مرتبة الفقه في الشيء مرتبة أعلى من مرتبة مجرد العلم به. وذلك السر العظيم في مخرجات التعليم حيث تجد كثرة المتعلمين وحاملي الشهادات في مقابل قلة العاملين والفاهمين للواقع... لأن من فَهِمَ معلوماً من المعلومات حق الفهم تشربت روحه وخالط لحمه ودمه حتى يصل إلى سويداء قلبه فلا يرى بُداً من العمل به رضي أم أبى؟

ولولا أن العلم بالشريعة علم محفوظ لما وجدت من العلماء من يحفظ ما ورد في السنة المطهرة في مدح الفضائل وذم الرذائل، ثم لا تجد فرقاً بينهم وبين العامة في ارتكاب المنكرات والمحظورات!

وآية فهم المعلوم تأثر المتعلم (الخريج) بهذا العلم وظهوره في أفعاله وأقواله، ولا تثق بكل حافظ فيما ينقل إليك فربما يمر بثورة المعلومات فيأخذها على علاتها ويجمع بين الشيء ونقيضه والغث والسمين... فكأن ذاكرته حانوت عطار اختلطت فيها الأعشاب الشافية بالعقاقير السامة!

وأكثر العلماء عبر التاريخ الذين خدموا العلم واستفادت منهم البشرية... عبارة عن سلسلة طويلة متصلة الحلقات يصنع كل نابغة من نوابغ العلماء منها حلقة ولن يبلغ المتعلم درجة النبوغ في التخصص إلا اذا كشف حقيقة أو أصلح مشكلة أو جمع متشتتاً أو حقق مسألة مختلف فيها أو يَسّر مُعَقّداَ أو اخترع طريقة يحتاجها الناس.

ولن يتمكن من هذا كله أو بعضه إلا إذا كان علمه مفهوماً لا محفوظاً (رقمياً فقط)، ولا يكون علمه مفهوماً إلا اذا أخلص المتعلم نفسه إليه وفرّغ نفسه له... وآنس به أُنس العاشق بمعشوقه.

ولنعلم جميعاً أن العلم لا يزور قلباً مشغولاً يترقب المناصب وحساب الرواتب وسَوق الآمال وراء الشُّهرة وكثرة (الفَلَوَرز) كما لا يزور العلم قلباً يفرح بحفلة التخرج فقط بتصفيف الطُرّة وصقلِ الغُرّة وحُسن القوام وجمال المشلح والهندام.

فهل وصلت الرسالة؟