وارحمتاه لأهلنا في غزة! إنهم عاجزون عن أن يعدّوا لعدوهم الزاحف عليهم بوابل قنابله ودوي مدافعه وازيز رصاصه... غير أجسام ستصبح غداً أشلاء ممزقة تحت ركام البيوت... وأرواح ستطير في علياء السماء طيران ذلك الدخان المتصاعد في أجواء الفضاء.
هناك تنوح النائحات وتبكي الباكيات وتسمع نشيج المنازل والدور بالنحيب وطلب الغوث ولا من مغيث... وترى المرأة المسلمة بحجابها المستورة في دارها التي لم يَرَ في حياتها وجه الشمس إلا من كوّة بيتها بارزة الوجه عارية الرأس حَيرى هائمة على وجهها في الطريق... تسأل الغادين والرائحين ما فعل الله بولدها ووالدها وزوجها وأخيها؟! فإما بقيت في حَيرتها تقضي بها بياض يومها وسواد ليلها... وإما عادت إلى بيتها المقصوف بالثُّكل القاتل والحزن الدائم... وهي ترى من حولها الشيوخ الكبار والأطفال الصغار والعاجزين والضعفة لائذين بالتلال والآكام يتقون بها صواعق الصواريخ الحارقة... أو عائذين بالممرات والمنافذ يفرون إليها من سنابك الدبابات فلا تحميهم! أو تجدها جالسة وحولها صغارها لفح وجوههم لهيب الشمس أو صقيع السماء وليس عليهم من الثياب ما يستر أجسامهم النحيلة حيث قتلت المدنية الحديثة واغتالت براءة طفولتهم!
لا أظن أن مسلماً، دخل الإيمان وخالطت بشاشته قلبه فملأه رحمةً وإحساناً وعطفاً وحناناً، يستطيع أن يتخذ لنومه فراشاً وثيراً في ظلمة الليل البهيم! أو يجد لنفسه في ضحوة النهار قراراً حُزناً على هؤلاء المنكوبين الحائرين الذين داروا بأعينهم في مشارق الأرض ومغاربها يتلمسون ناصراً يُعينهم على أمرهم أو مُنجداً يدفع عنهم عادية البلاء والهلاك... فلا يجدون إلا أُمماً قد أصابها مثل ما أصابهم من قبل (حيث بُسِطت لهم الدنيا فتنافسوها... فأهلكتهم) فهي تعجز عن النظر لنفسها فضلاً عن عجزها عن النظر لغيرها... وليس أمامهم سوى رحمة أرحم الراحمين الذي يسمع ويرى... تلك الرحمة التي يعتقدون أنها باقية لهم في قلوب إخوانهم في الدين أن يمدوهم بقليل من القوت يستعينون به على البقاء في قيد الحياة فقط! ويقتات منه عيالهم الذين يتضورون جوعاً أمام أعينهم.
ونحن نعيش في أيام العشر من ذي الحجة فيا أيها المسلمون... لن تجدوا بعد اليوم موقفاً هو أقرب إلى الله وأدنى إلى رحمته وإحسانه وأجلب لمغفرته ورضوانه من موقفكم بين هؤلاء الضعفاء المساكين تطعمون جائعهم وتكسون عاريهم وتحمون أعزلهم وتعالجون جريحهم وتخلفون قتيلهم في أهله وولده...
إنكم إن تحسنوا إليهم تحسنوا إلى أنفسكم... فإن بينكم وبينهم لُحمه أقوى من لُحمة النسب، إنكم جميعاً تُصلّون إلى قبلة واحدة وتلهجون بالغداة والعشي بذكر واحد وتتوجهون بقلوبكم في صلواتكم إلى قبلة واحدة وتسألون إلهاً واحداً فأنتم جميعاً عبيده... والراحمون يرحمهم الرحمن. (وهل تنصرون وترزقون إلاّ بضعفائكم؟!).
فيا أهل غزة! صبراً فإن موعدكم الجنة.
ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد.