في السابق عندما نسمع عن جريمة قتل في الكويت، كنا نستغرب ونشجب هذا الفعل الشنيع، لأننا لم نتعوّد سماع مثل هذه الجرائم في البلاد، بل نعتبرها من الآثام الكبيرة التي لا غفران لها، متسائلين عن كيفية فعل هذا الجرم... كيف... وكيف... ولماذا؟!
أما اليوم... فقد اختلف هذا الجرم ليصبح عادة نسمعها في كل يوم في وسائل الإعلام المتعددة حول العالم، فانتقلت هذه العادة السيئة لدينا حتى أصبح الجميع يسمع بهذه الجرائم المخلة بالشرف والأمانة وجرائم القتل العمد التي أصبحت تحدث بين الشباب بين حين وآخر وكأنها بطولة لابد من سماعها في بعض الأماكن من العالم، ولكن نحن لسنا بعيدين عن مجمل هذه القضايا في البلاد، بل تنوعت قضايا القتل ليصبح الأخ يقتل أخاه بسبب الميراث أو زوج يقتل زوجته بسبب الخلافات الزوجية بينهما، ثم أصبحنا نشاهد الأكثر عجباً وهو ابن يقتل أباه أو عمه بسبب وجود خلافات عائلية وفي مقدمتها الثأر والانتقام، وكلها جرائم يفترض ألا تحدث عندنا لو كان هؤلاء يؤمنون بالله حق الإيمان، ولكن كان الشيطان يلعب برؤوسهم حتى نال ما يريده.
ويقول الله سبحانه في كتابه الكريم «ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيماً» (سورة النساء: 93). وبالتالي فإن الرجل إذا عرف الإسلام وشرائع الإسلام ثم قتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه عند الله نار جهنم.
والسؤال هنا: كيف لمواطن أو مقيم أن يقوم بقتل والدته؟! أنا لم أتصور أن أرى يوماً ابناً يقتل والدته بدم بارد والعياذ بالله! فالأم التي سهرت الليالي لتربية أبنائها حتى يصبحوا صالحين، وفي غمضة عين تصبح عدوّة لأحد أبنائها، وهذا شيء لا يصدق! ولكن يرجح البعض أن السبب وراءه آفة المخدرات والمسكرات؛ فأصحاب السوابق والمخدرات المتعاطون لا يفرقون بين أحد من الناس حينما يصل الأمر بهم إلى مرحلة الجنون وفقدان العقل، فيعمل المستحيل لجلب ما يريده من المخدرات لنفسه.
... وهنا نلاحظ جلياً أن جميع القضايا التي تتعلق بقتل الأم مصيرها «الإعدام» بحق القاتل، ومن هنا يحق لنا أن نتساءل: كيف نسي الابن القاتل فضل أمه بعد أن قامت على تربيته منذ طفولته حتى كبر وأصبح رجلاً؟! فإن كانت أمه لا قيمة لها، إذاً، كيف سيتعامل مع بقية إخوته أو عائلته؟ إنها حقاً كارثة يا سادة! إنه الزمن الذي غيّر شعوره وإحساسه حتى أصبح وحشاً ونسي نفسه ونسي والدته التي ربته، فالذي يقتل والدته يكون خطراً على عائلته وعلى المجتمع كله، فكيف لا يكون مصيره الإعدام؟! لذلك نرى أن المحاكم الجنائية لا ترحم من لا يرحم أمه ومن تطاول على قتل والدته الضحية بل دائماً تطالب بحكم الإعدام أو القصاص، وما يصعب على الإنسان هنا عند مشاهدته جريمة مقتل والدة المتهم الذي قتل أمه التي ربته وأعطت من صحتها ومن شبابها له حتى رد جميلها بقتلها غدراً!
لذلك، ففي جريمة قتل الأم التي وقعت في منطقة صباح السالم في الفترة الماضية لم تتهاون النيابة في محكمة الجنايات في تطبيق أحكام القانون على كل من تسوّل له نفسه الفتك بروح الأم المحرَّم إزهاقها في الشرع وفي الدين وفي الإنسانية، ولكن الابن المتهم قام بنفس دنيئة آمرة بالسوء ودافعها جوهر سقيم تشبّع بالأنانية وحب النفس فأصبح شعوره خالياً من البر والتضحية لأقرب الناس إليه وهي والدته، بل كان صاحب الهوى الجامح لتحقيق رغباته الشيطانية وهو ما جعله يقوم بقتل والدته من دون ضمير أو قلب حي بل كان قلبه قلباً ميتاً مليئاً بالحقد والانتقام، فوجوده صار خطراً في الحياة، فأمثال هؤلاء المجرمين قاتلي الوالدين -أولياء أمورهم- يجب ألا ننظر إليهم بعين العطف والرحمة أو بقلب رحيم؛ ألم يتذكر القاتل فضل الأم؟! ألم يتذكر الآية الكريمة التي ذكر الله بها فضل الأم وإحسانها؛ فقد قال سبحانه: «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا» (سورة الإسراء: 23)، وكذلك قوله: «فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً» (سورة الإسراء: 23)، كما أمر الله أن نخفض لهما جناح الذل من الرحمة، وأن نقول «رب ارحمهما كما ربياني صغيرا» (سورة الإسراء: 24)، فأين وصية الله لك يا ابن آدم؟ أنسيت «ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً» (سورة الأحقاف: 15)؟! أين بر الوالدين والأم على وجه الخصوص لاسيما عند كبرها وعجزها؟!
إن قتل الأم لهو إثم كبير وطغيانه شيء عظيم، فلم تكن الجريمة التي وقعت في منطقة صباح السالم هي مجرد اعتداء آثم على الوالدة، بل هي طعنة في صميم القيم الإنسانية وفي عمق صلة الرحم، فالقاتل -ابنها- لم يكن أمام عدو أو مجرم وإنما أمام والدته؛ المرأة التي ربته حتى جاء اليوم الذي قتلها فيه... وااامصيبتاه فيما أجرم فيه!
وقد سأل رجل، رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: «أمك»، قال: ثم من؟ قال: «ثم أمك»، قال: ثم من؟ قال: «ثم أمك»، قال: ثم من؟ قال: «ثم أبوك». والحديث واضح في فضل الأم عليك.
بكل أسف، نحن اليوم نشاهد العجب ويتمثل ذلك في اعتداء الابن على حرمة النفس وهي والدته، فكيف نتعامل مع جريمة محزنة جداً، تدمع لها العيون وتتفطر لها القلوب؟! نحن أمام جريمة قتل تحمل كل معاني النذالة والخسة وتجردت منها الإنسانية، فنسي الابن فيها مكانة الأم وفضلها على أبنائها، ففي الإسلام والمجتمع الأم تملك مكانة عظيمة وأهمية فائقة؛ لأنها هي رمز الحب والتضحية والفداء، فكان مقابل ذلك وجود الكثير من الأبيات الشعرية الجميلة التي تحمل أجمل العبارات المؤثرة، لتعبّر عن عشق وتقدير الأم، فيقول الشاعر أحمد شوقي:
«أم يا كنز الحنان والحب، أنت ريحانة الأيام طيب العرب».
ويقول الشاعر محمود درويش:
«وأنت أمي، وأنت الوطن، أنت الفجر والهوى، والحب الأزلي».