رأي نفطي

الكهرباء في الكويت بين النفط والغاز

26 مايو 2025 10:00 م

في ظل ارتفاع الطلب على الكهرباء في الكويت، خاصة في مواسم الذروة الصيفية، تبرز الحاجة الماسة إلى وضع سياسة طاقة متوازنة ومستدامة، تتعامل بواقعية مع التحديات الحالية وتستشرف المستقبل. وبين الاعتماد على المشتقات النفطية المحلية المحدودة، وبين الاستيراد المتزايد للغاز الطبيعي، تقف الدولة أمام مفترق طرق يتطلب قرارات إستراتيجية حاسمة.

فالغاز الطبيعي يعد أنظف أنواع الوقود من حيث الانبعاثات، كما أنه يقلل من تكاليف صيانة محطات الكهرباء، ويتيح تشغيل التوربينات الغازية بكفاءة عالية. إلا أن الكويت لا تمتلك حالياً احتياطيات كافية من الغاز لتغطية احتياجاتها المحلية المتنامية، ما يدفعها نحو استيراده.

وهنا تطرح إشكالية جوهرية، هل الغاز المستورد أقل كلفة فعلاً من المشتقات النفطية المحلية؟ الحقيقة أن الاستيراد يشكّل عبئاً على الموازنة العامة، ويخضع لتقلبات السوق العالمية. ورغم كفاءته، يبقى الغاز المستورد حلاً موقتاً لا يمكن الاعتماد عليه طويلاً كخيار وحيد لتوليد الكهرباء.

وعليه، فإن مصفاة الزور، التي تحتوي على وحدة متقدمة لإنتاج زيت الوقود منخفض الكبريت بطاقة إنتاجية تبلغ نحو 220 ألف برميل يومياً، مخصصة لتلبية احتياجات وزارة الكهرباء، إلا أن الواقع جاء مغايراً، إذ انخفض استهلاك الوزارة إلى نحو 25 ألف برميل فقط.

هذا الانخفاض الحاد خلق أزمة تسويقية، حيث أصبحت مؤسسة البترول الوطنية مضطرة لتصريف الفائض، الذي يبلغ حوالي 200 ألف برميل يومياً، في الأسواق العالمية بأسعار منخفضة. وهو ما يحوّل مشروعاً يفترض أن يكون داعماً للطاقة الوطنية إلى عبء مالي يتحمله القطاع النفطي بشكل يومي.

إزاء ما تقدم، يبرز السؤال، لماذا استثمرت الدولة في إنتاج زيت وقود لم تلتزم وزارة الكهرباء بشرائه؟ ومن يتحمّل الخسائر الناتجة عن هذا الفائض؟ وكيف يمكن تدارك هذا الخلل في التنسيق بين الجهات الحكومية ومؤسسة البترول؟

الأمر لا يقتصر على مسألة الاستهلاك فقط، بل يتعداه إلى مستقبل هذه الوحدة. فزيت الوقود منخفض الكبريت، رغم مواصفاته، لا يحظى بطلب كبير عالمياً، ويُستخدم بشكل أساسي في الحرق وبأسعار متدنية. فهل نحن أمام مشروع ضخم بلا مستقبل سوقي واضح؟ وهذا المنتج غير مرغوب به، ويستعمل فقط للحرق، والتوجه الحالي نحو الاعتماد على توربينات لتزويد الكهرباء تعمل فقط على الغاز المستورد، إلى حين اكتشاف حقول غازية في الكويت وهو أمر غير وارد في المدى المنظور، حيث تحويل وتغيير هذه الوحدات الحديثة يحتاج إلى استثمارات مالية هائلة خاصة التحول إلى إنتاج البتروكيماويات، والمعضلة الأكبر صعوبة إيجاد الشريك الأجنبي المتخصص في صناعة البتروكيماويات.

ويرى بعض الخبراء أن التحول نحو الصناعات البتروكيماوية هو البديل الأمثل، إلا أن هذا الخيار يحتاج إلى «لقيم» مناسب –أي مادة خام تستخدم في التصنيع– وهو ما تفتقر إليه الكويت حالياً. فبينما يقترح البعض استخدام مادة «النافثا»، إلا أن كلفتها العالية تجعلها غير مجدية اقتصادياً مقارنة بالغاز.

كما أن الدخول في قطاع البتروكيماويات يتطلب شراكات أجنبية قوية وخبرة فنية عميقة واستثمارات ضخمة، فضلاً عن عدم القدرة على المنافسة في سوق عالمي شديد التنافس، وتجربة شركة «إيكويت» قد تكون مثالاً ناجحاً، لكنها استثناء لا يمكن تعميمه دون وجود خطة واضحة ولقيم مضمون.

وفي هذا السياق، تبرز تجربة مصفاة الدقم كمشروع مشترك حديث يسعى إلى التوسع نحو البتروكيماويات. لكن المشروع لا يزال في بداياته، ولم تتضح بعد معالم النجاح أو الفشل، خاصة فيما يتعلق بجذب الشركاء الأجانب لبناء وحدات إضافية بعد الانتهاء من البنية الأساسية.

والحل لا يكمن في الاعتماد الكلي على نوع واحد من الوقود، سواءً كان الغاز أو النفط، بل في تنويع مصادر الطاقة، واستغلال الموارد المحلية بذكاء، وتطوير الطاقات المتجددة على المدى المتوسط والبعيد. كما أن أي استثمار في مشاريع الطاقة يجب أن يكون مبنياً على دراسات دقيقة تضمن جدوى المشروع، ومردوده الاقتصادي، ومرونة تسويقه.

كذلك من الضروري أن تكون هناك آلية تنسيق واضحة بين المؤسسات الحكومية، تضمن الالتزام الفعلي بالاستهلاك المخطط له، وتمنع تكرار تجربة مصفاة الزور التي شيدت لتصنيع مادة زيت التزييت لصالح وزارة الكهرباء ثم امتنعت الوزارة.

وختاماً، لماذا تتحمل مؤسسة البترول الخسائر المالية بسبب قرارات خارجة عن إرادتها وأليس من الأفضل الاعتماد على 4 مشتقات نفطية محلية مختلفة لإنتاج الكهرباء بدلاً من التوجه الكامل نحو الغاز المستورد؟

محلل نفطي مستقل

[email protected]