الصحافة، أو كما يحب أهل المهنة أن يسمّوها بـ«صاحبة الجلالة»، كاعتراف بدورها التاريخي والثقيل التي ظلّت تحمله على كتفيها، حتى بعدما هجم علينا طوفان «السوشال ميديا»، وصار كل من أمسك هاتفه يُنَصِّب نفسه ناقداً، ومحللاً. لكن لنتحدث اليوم عن فئة بعينها «بعض الفنانين»، الذين يتعاملون مع النقد وكأنه طلقة في القلب، أو «راشدي» على الخد، لا مجرد مرآة تحاول أن تُريك زاوية غير التي تحب أن تراها.
في كل مرة يُوجَّه فيها نقد لفنان أو فنانة، ينقلب المشهد إلى معركة كرامة، وكأن الناقد لم يفعل سوى أنه نكش عش الدبابير، بينما كل ما فعله هو أنه قال: «هذا العمل ضعيف أو هذا الأداء أقل من المتوقع»، والمفارقة... بعضهم، بعد أن يستشيطوا غضباً من نقد موضوعي، يعودون ليمارسوا هم أنفسهم دور الناقد في أعمالهم، يسخرون من الصحافة، يلمزون ويهمزون، وأحياناً يخصصون مشاهد كاملة في أعمالهم التلفزيونية والمسرحية للهجوم على الصحافيين، وكأنهم أعداء الفن والذوق العام، لتتحول الصحافة في نظرهم ونظر متابعيهم إلى جهة يجب قمعها وليس مرآة يجب احترامها. ولسخرية القدر، بعضهم يسقط في فخ الردح الفني، ويبدأ بتوزيع شهادات الجودة على نفسه.
في الغرب، وبكل صخب إعلامه وجيوش «السوشال ميديا» اللي عنده، تظل الصحافة عندهم خط أحمر، مو لأنه عندهم سيوف، ببساطة لأن القلم هناك يُخيف، بدليل تقدر «نيويورك تايمز» أو «الغارديان» أو «واشنطن بوست»، «تشلخ» أكبر نجم وتنتقده على عينك يا تاجر، وهو ما يقدر يقول «ثلث الثلاثة كم»، لأن الفنان هناك مهما نفخت فيه الشهرة ينكمش قدام مقال صحافي محترم. ببساطة، يعرفون أن القلم إذا تكلم... سكتت المؤثرات والمؤثرين، واحنا عندنا، العديد من الفنانين، إذا لم تُصفق لهم الصحافة صاروا يصفونها بـ«المدفوعة»، وإذا لم يكتب عنهم النقاد قصائد المديح اتهموهم بـ«الجهل الفني»!... علامكم؟!
ألا تستحق صاحبة الجلالة بكل ما مرت به أن تُحترم؟، احترموها على الأقل عشان شيباتها، تلك الشيبات التي تنبت من فرط الحذر حين تكتب رأياً، ومن وجع المعارك مع كل من لا يحب الحقيقة.
نهاية المطاف: من لا يحب النقد، فليعدّل مرآته... لا أن يكسرها.