قيم ومبادئ

وداعاً لاستغلال العمل الخيري

15 مايو 2025 10:00 م

ليس الإحسان إلى الناس هو العطاء كما يظن معظم الناس... فالعطاء قد يكون نفاقاً وجاهلية وفوضى حزبية، حتى قال أحد القياديين (كنا إذا فلسنا في التنظيم صارخنا يوم الجمعة عن فلسطين؟). وقد يكون مصيدة ينصبها المتبرع لاصطياد النفوس ولوي الأعناق لمآرب أُخرى! وقد يكون رأسمالاً يتَّجر فيه صاحبه مستغلاً عواطف الناس وحماسهم، ولكن الإحسان عندنا في الكويت كما هي عند الرعيل الأول قبل النفط مرتبة عظيمة فوق مرتبة الإسلام والايمان، إنها مراقبة الله تعالى في السر والعلن (وأن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك).

والإحسان أيضاً شعور بمدى معاناة البشرية من شقاء وهموم تؤرق النفس وتجعلها تتألم لمناظر البؤس ومصارع الشقاء، فلو أن جميع ما يبذله الناس من أموال ويسمونها إحساناً صادرٌ عن تلك العقيدة الشريفة لآتت الصدقات أُكلها ضعفين، والمؤسف حقاً أن نرى الإحسان اليوم في بعض المواضع عبارة عن فوضى لا نظام لها... يناله من لا يستحقه ويحرم فيه مستحقه! فلا بؤساً رفع ولا فقراً دفع!

أو أن ينفق بضعة آلاف من النقود لبناء مسجد للصلاة في بلد مملوءة بالمساجد وفيه ملايين البائسين مع ذوي العاهات والحاجات ينشدون مواطن الهبات والصِّلات لا أماكن الصَّلوات على الرغم أن فيها القباب المزخرفة والمآذن المزركشة مذهَّبة السقوف والأبواب، ولكن الفقراء لا يجدون فيها لقمة سائغة كما كان المسجد النبوي يؤوي أهل الصُفّة. فيجدون ما يسد حاجتهم من الأكل.

ولا أرى مالاً أُضيع ولا عملاً أُخيب من عطاء هؤلاء المتسولين الذين يطوفون في الأرض ولا تجدهم إلا في المواسم (الحج – رمضان) ويجتمعون على مفارق الطرق وزوايا الدروب وعلى أبواب الجوامع يَصمّون الأسماع بصراخهم ويزاحمون الناس في طريقهم، وإن شئت أن تعرف المتسول حقاً لتعلم هل يستحق عطفك وحنانك عليه... فاعلم أنه في الأعم الأغلب ممن امتهن التسول رجل لا زوجة له أو امرأة لا زوج لها ولا ولد ينفق عليه ولا مسكن عنده يحتاج إلى مرافق، وهو لو شاء أن يتزوج أو يتخذ له مأوى يأوي إليه لفعل ولوجد في حرفته متسعاً لذلك، ولكنه الحرص قد أفسد عليه قلبه، فهو يتسول بالحيل وصنوف المكايد ليجمع ما لا فائدة له في جمعه؟ ولا نية له في إصلاح شأن نفسه، ولو شاء أن يتعمد قطع يده أو بتر ساقه أو طمس عينيه أو إحداهما ليستعطف المتسول الآخر إذا رآه أفظع منه شكلاً أو أكثر تشويهاً لفعل؟

إنّ أكبر جريمة يجرمها الإنسان في الإنسانية أن يساعد هؤلاء المتسولين بماله ليساعدهم على الاستمرار في هذه الحيل الدنيئة، والنبي، صلى الله عليه وسلم، يقول عن الصدقة (لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب).

وعليه نقول للعمل الخيري وداعاً لمثل هؤلاء.

ولكن جاء في البخاري (تصدَّق رجل على سارق وزانية وغني) فقال اللهم لك الحمد على سارق وزانية وغني؟

فقيل له:

أما صدقتك على سارق فلعله أن يستعِفَّ عن السرقة، وأما الزانية فلعلها أن تستعِفَّ عن الزنا، وأما الغني فلعله أن يعتبر فينفق مما آتاه الله.

وعليه نقول الصدقة أجرها عظيم حتى لو وقعت في غير أهلها!

والكويت بلد الإنسانية والأقربون أولى بالمعروف.