قيم ومبادئ

أين شرف الخصومة؟

8 مايو 2025 10:00 م

فتشت عنه في كل مكان أحسب أنه يوجد في مكنون تُربتها ومواطنها في قواميس السياسة فلم أعثر على شيء، وفتشت في وسائل التواصل فلم أرَ شيئاً يذكر بل وجدت عكس ذلك تماماً، وهو الفجور في الخصومة، كما فتشت في مضابط الجلسات ومحاور الاستجوابات وبرامج الانتخابات فلم أجد رائحة لشرف الخصومة، فليت شعري هل أجدها في الدواوين أو الجواخير أو في مغارات اللصوص أو عند بارونات الفساد! أو بين جدران السجون؟!

سيقول كثير من الناس قد غلا الكاتب في حكمه وجاوز الحد في قوله، فشرف الخصومة لا تزال تجد في صدور كثير من السياسيين والنُخب الأكاديمية صدراً رحباً ومورداً عذباً... فأقول لهم (إني لا أنكر وجود الفضيلة في المجتمع الكويتي ولكن شخصياً أجهل مكانها على مدى عقود من عمل مجلس الأمة وذهابهم مع لغة المصالح حتى عُقدت أمام عيني سحابةٌ سوداء أظلم بها بصري حتى ما أجد في صفحة سماء العمل البرلماني نجماً لامعاً ولا حتى كوكباً طالعاً يبشرنا بخير... اللهم إلا النزر اليسير، فكل الناس يدّعي الفضيلة وينتحلها ويلبس لباسها ويرتدي رداءها ويعدُّ لها عدتها من منظر يستهوي الأذكياء والأغبياء ومظهر يخدع أسوأ الناس بالناس ظناً!

فقُل لي بربك كيف السبيل للوصول إليها وسط هذا الموج المتلاطم من لغة المصالح والحسد والبغضاء؟!

فإن كان صحيحاً ما يتغنى به الناس من سعادة الحياة وطيبها ونعيمها لدرجة أن (الخلاف في الرأي لا يُفسد للود قضية) فسعادتي فيها أن أعثر في طريقي في يوم من أيام حياتي على صديق يصدقني الوُّد وأصدقه دون أن يتجاوز ذلك إلى ما وراءه من مآرب وأغراض... وأن يكون شريف الخصومة حتى وإن اختلفت معه في الرأي فلا يحمل حقداً... ولا يحدِّث نفسه في خلوته بغير ما يحدث به الناس في محضره، عفيف اللسان فلا يكذب ولا يَنمُّ ولا يُلمُّ بِعِرضٍ ولا ينطق بِهُجْر... هذه السعادة التي أتمناها ولكني لا أراها... كيف لا والرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم يقول للمؤمنين الصالحين وليس الفرقاء السياسيين الطالحين (إياكم وسوء ذات البين فإنها الحالقة)، وهذا المرض العضال سرى في هذه الأمة يدبُّ كدبيب النمل في الخفاء فنشر العداوة والبغضاء حتى بين أبناء العائلة... وهي الحالقة أي القاطعة للمحبة والألفة... وهذه لا تقطع الشعر كما تفعل الموسى تُذهب الشعر من ظاهر البدن فقط، ولكنها تحلق الدِّين وهذا ضرره عظيم في الدنيا والآخرة، فالبغضاء تُذهب الدِّين كالموسى تُذهب بالشعر، والحسد والبغضاء يمنع الإنسان من فعل الخيرات، فمن امتلأ صدره بالحسد لا يكون عنده محبة كاملة في الله ولا رغبة في إيصال الخير للناس والحسود لا يرضى بقضاء الله. فتجده دائماً ساخطاً في هذه الحياة!

فانظروا في أروقة المحاكم وساحات التقاضي المدني والجنائي والتجاري وما حجم قضايا الحسد والكيد بين الناس!

وأين شرف الخصومة؟!

هذا ما فعلته الديمقراطية بنا!