ربيع الكلمات

هل يعود العمل الخيري؟

7 مايو 2025 10:00 م

لا يعرف حجم التحديات التي يواجهها العاملون في العمل الخيري إلا الذي جرب السفر إلى بعض الدول الأفريقية، حيث الكثير من المخاطر سواء الصحية أو من عدم توافر مقومات الحياة السليمة، وقبل السفر أخذ العديد من الإبر على حسب كل دولة، ومع كل ذلك لم تزد كل هذه التحديات إلا الإصرار للمضي قدماً في مساعدة الفقراء والمحتاجين حول العالم، ولرفع اسم الكويت عالياً ولإيصال مساعدات أهل الكويت حول العالم.

وتاريخ العمل الإنساني طويل ورحلة عطاء ممتدة، ولقد عرف أهل الكويت حكاماً ومحكومين العمل الخيري والإنساني منذ نشأتها حتى قبل أن تتوفر الوفرة المالية لديهم، وبالرغم من قلة الموارد إلا أن اياديهم البيضاء كانت شاهدة على عطائهم، وهناك مشاريع مازلت موجودة إلى يومنا هذا قام بالتبرع لها أهل الكويت عندما كانت رحلاتهم إلى الهند بحثاً عن لقمة عيش كريمة، ومنذ أكثر من 300 سنة، والكويت اوصلت خيراتها إلى شتى بقاع العالم، إلى الهند واندونيسيا، وجزر الملايو، والشام وفلسطين، والعراق، وبلاد فارس، ونجد، والزبير، وشرق أفريقيا، وغيرها من البلدان، بحكم طبيعة أهل الكويت التجارية وتنقلهم بين تلك الدول وغيرها.

وفي عهد الشيخ جابر الأول بن عبدالله، حاكم الكويت من عام 1814 إلى 1859، والذي اشتهر بجابر العيش حيث كان يساعد الفقراء والمحتاجين، وكذلك وقفية الشيخ محمد بن عبدالرحمن العدساني، سنة 1783 والتي كانت خير شاهد على أن العمل الخيري ومساعدة الفقراء والمحتاجين مترسخة ومتجذرة في قلوب ووجدان الكويتيين، والمدرسة الأحمدية تم إنشاؤها في عام 1921، وقد تأثرت المدرسة بنقص الموارد المالية في البداية، فقد قام سلطان إبراهيم الكليب، بحملة تبرعات لصالح هذه المدرسة، وبلغ إجمالي التبرعات آنذاك نحو 13 ألف روبية يتم تجميعها كل عام، كما تعهّد أمير دولة الكويت آنذاك المغفور له الشيخ أحمد الجابر الصباح، بسداد ألفي روبية كل عام واستمر بسداد هذا المبلغ لفترة تقترب من 15 سنة، حتى جرى تكوين مجلس المعارف، وذلك في عام 1936، إضافة إلى اللجنة الشعبية لجمع التبرعات التي أُسست العام 1945، بمبادرة أهل الخير من مجموعة من تجار الكويت الأفاضل. وهذه المؤسسات تبرز الوجه الحضاري للكويت لما تقدمه من خدمات جليلة من مساعدة المعوزين والمحتاجين وصناعة الابتسامة على وجوههم.

ولذلك يعتبر العمل الخيري احدى الركائز الأساسية للسياسة الخارجية للكويت، إذ عرفت بمبادراتها الإنسانية منذ ما قبل استقلالها، والتي استهدفت مناطق عدة في العالم، بعيداً عن المحددات الجغرافية والدينية والعرقية، وتعد الجمعيات الخيرية في دولة الكويت علامة بارزة في ساحات العطاء الإنساني، وهذا بفضل تحركاتها الميدانية السريعة في المناطق المختلفة، وهي التي تندرج تحت جزء من الواجب الإنساني والذي يعبر عنه الموقف الرسمي للكويت، فالجمعيات الخيرية في الكويت تحاول إغاثة المنكوبين في حالات الكوارث والنكبات والحروب.

وبعد أن حبانا الله تعالى بالنفط دخل العمل الخيري مرحلة جديدة من الاحتراف والتنظيم، فتم تأسيس مؤسسات كبرى مثل جمعية الإصلاح الاجتماعي (1963) التي حملت رسالة التعليم والإغاثة، وجمعية الهلال الأحمر الكويتي تأسست عام 1966 تُعنى بالأعمال الإنسانية والإغاثة الدولية، ومرتبطة بالهلال الأحمر العالمي، وجمعية النجاة الخيرية تأسست عام 1978 تهتم بالمساعدات التعليمية والإغاثية والدعوية داخل الكويت وخارجها، جمعية العون المباشر (كانت تُعرف سابقاً بـ «لجنة مسلمي أفريقيا») – تأسست عام 1981 تُعد من أبرز الجمعيات الكويتية العاملة في أفريقيا.

لكن، وفي لحظة تأمل، يحق لنا أن نسأل:

هل تتراجع الكويت من مركز للعمل الإنساني، حازت فيه تصنيفات عالمية وتكاملت فيه سياساتها الخارجية مع رسالتها الخيرية، إلى حالة من الجمود؟

أنا على يقين بأن العمل الخيري سيعود بشكل أفضل وأكثر تنظيماً، والعاملين سيكون أكثر وعياً من قبل، وسيتم العمل وفق اللوائح والأنظمة، وتفعيل الحوكمة والرقابة الداخلية، ولعل القائمين على متابعة العمل الخيري في المؤسسات والوزارات الحكومية لديهم حرص كبير على سمعة الكويت الخارجية، لذلك جاءت هذه الاجراءات.