كلما ازداد الطالب علماً زاده الله تعالى رفعة وشرفاً، وتنورت بصيرته ونظرته إلى أبعاد الأمور بقلبه وعقله قبل عينيه، وفي ذلك قال العلماء: لو كان شيء أشرف من العلم، لأمر الله نبيه أن يستزيده منه، كما في الآية الكريمة: (وقل رب زدني) طه/114.
الأئمة وكبار العلماء لم يتركوا لنا مالاً، وإنما تركوا لنا علماً، وطريق العلم في زمانهم بالسير على الأقدام الذي يأخذ أشهراً؛ فإنهم ينتقلون من بلد إلى بلد للحصول على جواب لمسألة واحدة، أو التأكد من صحة حديث واحد.
وتيسر لنا اليوم أخذ العلم الكبير، ونحن في مكان واحد بالبحث البسيط الذي قد يأخذ ساعة من اليوم عن طريق الأجهزة والبرامج الحديثة، التي تعرض المعلومات بصورة مختصرة على الصفحات الإلكترونية.
وإن كانت بعض العلوم تحتاج إلى زيادة شرح وبيان؛ فلا حاجة للسير والجهد البدني وأخذ الأشهر، وإنما بوسائل النقل المتاحة، أو بوسيلة تكنولوجية سهلة للقاء المعلم، وحركة ذهنية هادئة مما يزيد من الراحة النفسية؛ فالطالب اليوم في نعمة عظيمة.
يتكاسل شبابنا عن القراءة أو الاطلاع على صفحات من كتاب، ومع ذلك يرغبون بنيل المزيد من الدرجات الدراسية كالانتقال من البكالوريوس إلى الماجستير ثم الدكتوراه وتتفاجأ بالضعف العلمي الشديد، فهي شهادات عالية مع نقص شديد في العلم، حتى في القراءة والكتابة!
لو قارن الشاب بين حال طلبة علم اليوم، مع طلبة في زمن مضى، وما مروا به من صعاب وشدائد ليلتمسوا علماً، استصغر نفسه، وشعر أن كلمة معلم أو طالب كبيرة عليه؛ فقد تنازل كبار القدماء من العلماء وطلاب العلم عن ملذات الدنيا وجعلوا العلم هو الغاية التي تقدم لهم مكاسب الدنيا والآخرة.
كان طالب العلم في الماضي يتعمق في دراسة المتون والكتب الدقيقة وما تحمله من شروح استعداداً لحضور مجالس العلم، والطالب اليوم يتهرب من حضور المحاضرات لشدة الكسل، ويفرح الطالب إن سمع كلمة: الأستاذ يعتذر عن محاضرة اليوم.
وأحياناً ينشغل الطالب أثناء المحاضرة بالهاتف، وما فيه من برامج فلا يدري ما هو موضوع اليوم، وليس ذلك في المحاضرة فقط؛ فكثير من الطلبة والشباب يضيع يومه كله مع تلك البرامج والدردشات التي لا تنفع، والتي تصدهم عن البحث العلمي وقراءة الكتب.
ومن الطلبة من يظن أن العلم هو حفظ المعلومات دون جهد فكري، نحن بحاجة إلى شرح وفهم محتوى الكتاب قبل حفظ المعلومات، وللأسف الشديد أن الكتب الأساسية أيضاً بدأت تنسحب من عالم التدريس حتى وصلت إلى ورقات يختصرها المعلم بصورة تضيع أهم ما فيها، تلاحظ فيها التناقض واختلاط المفاهيم لشدة الاختصار، والحذف الذي يغير المعاني، وهو ما يدل على المستوى العلمي الضعيف جداً لدى المعلم الذي يحمل لقباً عظيماً رغم جهله؛ فإنه لا يصلح للتدريس، وهو من أهم أسباب ضعف الطلبة، فانظر إلى الفارق الكبير!
يقول الأستاذ عبدالفتاح أبوغدة، في مقارنته بين الماضي والحاضر: الرحلات التي عركت الطلاب الراحلين عركاً طويلاً، وبين دراسة طلاب جامعتنا اليوم! يدرسون فيها أربع سنوات، وأغلبهم يدرسون دراسة فردية، لا حضور ولا استماع، ولا مناقشة ولا اقتناع، ولا تصحيح لأخطائهم ولا تصويب، ويتسقطون المباحث المظنونة السؤال من مقرراتهم، ثم يسعون إلى تلخيص تلك المقررات، ثم يسعون إلى إسقاط البحوث غير المهمة من المقرؤات، بتلطفهم وتملقهم لبعض الأساتذة فيجدون ما يسرهم وإن كان يضرهم، وبذلك يفرحون.
وبعد ذلك يتعالون بضخامة الألقاب، ويجهّلون العلماء الأصلاء بآرائهم الهشة البتراء، وينصرون الأقوال الشاذة لتجانسها مع عملهم وفهمهم، ويناهضون القواعد المستقرة والأصول الراسخة المتوارثة، ولم يقعدوا مقاعد العلم والعلماء، ولم يتذوقوا بَصَارَةَ التحصيل عند القدماء! ولكنهم عند أنفسهم أعلم من السابقين! وألطف ما قال عن طلبة هذا العصر: يستعجلون قرع (الجرس) ليخرجوا من الدرس كأنهم يفرون من حريق أو ينطلقون من سجنِ ظالم قتّال!
aaalsenan @