غيّب الموت يوم الجمعة الماضي في لندن، عبدالصمد العوضي، أحد أبرز الكويتيين في الساحة النفطية العالمية، وأحد الوجوه التي ارتبط اسمها بمنظمة «أوبك»، ليس فقط كخبير، بل كصوت مسموع ومحور دائم للحوار والنقاش.
رغم إقامته الطويلة في لندن، لم يغب «بوجميل» يوماً عن أهل الكويت. فقد كان حريصاً على لقاء أبناء وطنه عند زياراتهم للعاصمة البريطانية، ويعود سنوياً إلى الكويت ليتواصل مع الأصدقاء والزملاء، الذين كان لقاؤهم به أشبه بمحطة لا يمكن تجاوزها.
في أروقة «أوبك»، كان العوضي، أكثر من مجرد ممثل أو مندوب. كان نبض الاجتماعات، وعين الصحافة، ومرجع المراقبين. ما إن يصل إلى الفندق في جنيف أو إلى مقر المنظمة في فيينا، حتى يبدأ بمصافحة الجميع، من البواب إلى الوزراء، ويتبع الصحافيين العالميين إلى المقهى، حيث يبدأ حواراته وسط دخان سيجارته، قبل الدخول إلى قاعات الاجتماعات.
كان الجميع يلجأ إليه: وزراء يسألونه عن مزاج الإعلام، وصحافيون يبحثون عن تفسير للقرارات، ومندوبون يرغبون بفهم خلفيات التحركات. لم يكن متحدثاً رسمياً، لكنه كان الأقدر على تمثيل الموقف الكويتي بصدق وشفافية، خصوصاً في أحلك الأوقات، مثل فترة الغزو العراقي، حيث وقف مدافعاً عن الكويت، ومفنداً للأكاذيب، ومحاوراً ثابتاً في مواجهة الإعلام العالمي. كان الصديق والزميل في التسويق العالمي والتابع لمؤسسة البترول، وكان معظم وزراء نفطنا عند زياراتهم لمكاتبنا في لندن يتوقفون أولاً عند مكتبه ليتبادلوا معه أحدث الأخبار العالمية.
لذا، مكتب العوضي، المطل على الشارع الشهير في العاصمة البريطانية «بوند ستريت»، لم يكن مجرد مساحة عمل، بل ملتقى لوزراء ومسؤولين وزملاء، حيث تُتبادل الأخبار وتُناقش التحليلات على فنجان قهوة وسط الضحك والنقاش الجاد، ولا يخلو من دخان السجائر، حتى تدخل سكرتيرته وتفتح النوافذ.
من أبرز إسهاماته أيضاً، اهتمامه بتطوير الكوادر الكويتية الشابة في قطاع التسويق النفطي. حيث فتح أمامهم أبواب العالم، وعرّفهم على أسواق جديدة، بدءاً من التعامل مع العملاء وشراء المشتقات والنفوط الأجنبية لتزويد أسواق التجزئة التابعة لشركة «كيو إيت» في أوروبا ومصافيها.
رحل عبدالصمد العوضي، تاركاً وراءه أثراً لا يُنسى في قلوب من عرفوه، وفي مسيرة الكويت النفطية. ستفتقده «أوبك»، وستفتقده الكويت، وسيفتقده كل من اعتاد صوته وابتسامته ومكالماته اليومية.
رحمك الله يا بوجميل، كنت حاضراً في كل مكان... وستبقى حاضراً في الذاكرة.
كاتب ومحلل نفطي مستقل