حروف باسمة

حرية الصحافة ودفن الكلمة

5 مايو 2025 10:00 م

آهات وأوجاع وآلام تخرج من الأفئدة وتدوي بها الحناجر في قطاع غزة، لا يُهدى الصحافي وردة وإنما يُستهدف بقذيفة، لا يُكرم بالحبر بل يغتسل بالدم، رصاصة في الرأس أو صاروخ يستهدف سيارته أو قصف يودي بمنزله أو اختناق تحت الأنقاض كل الطرق تؤدي إلى موت الصحافة.

إن الاحتلال الإسرائيلي ارتكب إبادة إعلامية ممنهجة في حق الصحافيين والمؤسسات الإعلامية منذ بدء عدوانه على قطاع غزة قبل تسعة عشر شهراً.

محمود، آية، يحيى، رامي، أسماء... كلهم أسماء أحبوا الحياة لكنهم أصروا أن يقبلوا الحياة... مئتان واثنا عشر شهيداً من الصحافيين منذ السابع من أكتوبر وأكثر من (409) جرحى بعضهم فقد أطرافه، بعضهم بترت حياته المهنية بإعاقة دائمة، و(48) آخرون زُجّ بهم في السجون، ذاقوا التعذيب والحرمان، لا لشيء سوى أنهم قرّروا أن ينقلوا الحقيقة، هم لم يحملوا سلاحاً، لم يصرخوا بالشعارات، بل نقلوا الصورة كما هي فكانت عدستهم هدفاً، وقلمهم متهماً وميكروفونهم تهديداً... إنها حرب ضد الشهود، ضد مَنْ يكتب، ضد مَنْ يصور، ضد مَنْ يروي.

في اليوم العالمي لحرية الصحافة الذي يُصادف الثالث من مايو من كل عام يحتفل العالم بنقل الكلمات في المنابر وتُمنح الجوائز وتُرفع الشعارات، أما في قطاع غزة فتسفك دماء الصحافيين هذه الأيام، كلها جهاد ونضال من أجل الوصول إلى الحرية ملؤها موت وتجويع وحرمان، والمناضلون يجدّون الخطى من أجل بلوغ الحرية الحمراء التي لا تدق إلّا بأيادٍ مضرجة بالدماء.

ولنفكر في ما قالهُ الإمام الشافعي عن الأيام وما تفعل بالإنسان:

دعِ الأيامَ تفعلُ ما تشاءُ

وطب نفساً إذا حكم القضاءُ

ولا تجرع لحادثةِ الليالي

فما لحوادث الدُنيا بقاءُ

وكن رجلاً على الأهوال جلداً

وشيمتك السماحةُ والوفاءُ

ولا حزن يدومُ ولا سرورُ

ولا بُؤس عليك ولا رخاءُ

إذا ما كُنتَ ذا قلبٍ قنوع

فأنت ومالكُ الدُنيا سواءُ

ومَنْ نزلت بساحتهِ المنايا

فلا أرضُ تقيه ولا سماءُ

وأرضُ اللهِ واسعةٌ ولكن

إذا نزل القضا ضاق الفضاءُ

دَع الأيامَ تغدرُ كل حينٍ

فما يُغني عن الموتِ الدواءُ

عاشت فلسطين حرة، وعاش أهلها، وعلمها خفّاقاً في أصقاع الدنيا ناشداً للحرية والسلام.