من الواضح جداً انزعاج حكومة نتنياهو، من جولة المفاوضات الإيرانية – الأميركية، والتي تسير على ما يبدو بشكل إيجابي رغم ما يكتنفها من حذر. وقد بيّن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أن بلاده تفضل الخيار الدبلوماسي على ما يدفع به اللوبي الصهيوني من دعوات لتوجيه ضربة عسكرية مباشرة لإيران.
وفي هذا السياق، شهد ميناء «رجائي» في مدينة بوشهر الإيرانية انفجاراً ضخماً قبل أيام، يُعتقد أنه ناتج عن حاويات محمّلة بمواد كيميائية، ما تسبب بخسائر كبيرة في الأرواح والمعدات، حيث بلغ عدد الضحايا حوالي 65 قتيلاً، وأصيب أكثر من 1200 شخص بحسب آخر بيان رسمي إيراني. وقد ألمحت بعض وسائل الإعلام المرتبطة بإسرائيل إلى مسؤولية أمنية مباشرة لحكومة نتنياهو في هذا الحادث، بينما لم تتهم الحكومة الإيرانية إسرائيل بشكل صريح، إلا أن عضو البرلمان الإيراني محمد سراج، أشار بوضوح إلى تورّطها.
تعزز هذه الفرضية منطقية من زاويتين: أولاً، من ناحية طبيعة الانفجار التي تدل على أنه لم يكن طبيعياً، بل تدميرياً، مدعماً بمواد كيميائية وليس مجرد حريق عرضي. وثانياً، من حيث التوقيت، إذ يتزامن هذا الحدث مع ذروة المفاوضات الإيرانية – الأميركية، والتي تُدار وفق أجندة منتظمة قد تفضي إلى تفاهم جديد من شأنه إعادة رسم معادلات الإقليم الجيوسياسية.
وما يزيد المشهد تعقيداً، هو اندلاع حرائق ضخمة في غابات وأراضٍ تمتد على مساحة تُقدّر بـ20 كيلومتراً مربعاً بين تل أبيب والقدس بعد يومين فقط من حادثة ميناء رجائي. ورغم توجيه بعض أصابع الاتهام داخل إسرائيل إلى «جهات إرهابية»، لم تُشر التقارير الرسمية حتى الآن إلى أي صلة مباشرة بإيران.
وعلى الرغم من عدم تبادل الاتهامات بشكل رسمي بين طهران وتل أبيب، فإن ذلك يمكن تفسيره ضمن إطار «الردع السيكولوجي»، أي تجنّب الدخول في سجالات علنية قد تفتح الباب أمام تصعيد متبادل أو نشوة انتقامية لدى الطرف الآخر.
وفي هذا السياق، يسعى الطرفان، الإيراني والإسرائيلي، إلى توجيه رسائل غير مباشرة إلى الطرف الأميركي. فالجانب الإسرائيلي يريد التأكيد على أنه يمتلك القدرة على التأثير داخل إيران دون الحاجة إلى واشنطن، في محاولة لفرض قيود على أي اتفاق قد لا يأخذ مصالحه الأمنية والسياسية بعين الاعتبار، كما يسعى إلى التشويش على الجهود الدبلوماسية وتعقيد مساراتها.
أما الجانب الإيراني، في المقابل، فيهدف إلى إثبات قدرته على الردع المتكافئ أو المتفوق، مع التأكيد على رغبته في فصل مساري التفاوض مع الولايات المتحدة، والآخر مع إسرائيل. كما يتجنب في المرحلة الحالية الدخول في مواجهة مباشرة مع تل أبيب، تفادياً لتوفير ذرائع للضغط على الإدارة الأميركية من قبل اللوبيات المناوئة لطهران في واشنطن.
الخلاصة، في خضم هذه المفاوضات الحساسة، يمكن تحديد ثلاثة أنماط من الأطراف التي تتابع المشهد عن كثب:
1. الطرف المتربص: يسعى إلى إدخال ملفات جديدة لتخريب أو تعطيل مسار المفاوضات. وهذا لا يقتصر على إسرائيل، بل يشمل أيضاً بعض الدول ذات المصالح الإستراتيجية مع إيران، بالإضافة إلى أطراف داخلية في كل من واشنطن وطهران.
2. الطرف المترقب: وهو معني بالاستقرار الإقليمي والدولي، لا سيما ما يتعلق بتأمين تدفقات الطاقة وحركة التجارة والاستقرار الدولي.
3. الطرف المُقتنص للفرص: يمثل الدول التي تسعى لإعادة التموضع في خارطة المصالح الناشئة عن الاتفاق المحتمل، أو التي تستعد لسيناريوهات مرحلة ما بعد فشل التفاوض.
وبين هذه الأطراف المتباينة، يظل صراع الظل بين إيران وإسرائيل عاملاً رئيسياً في توجيه مسار المفاوضات الجارية داخل «الغرف العُمانية».