قبل الجراحة

عيش مشخول

3 مايو 2025 10:00 م

يمسك الكاتب قلمه ليبدأ الكتابة فالفكرة أصبحت ناضجة داخل عقله ولم يتبق إلا أن يضعها على الورقة لتصبح جاهزة، لكنه بعد أسطر عدة من الكتابة يداخله الشك بأن ما قام بكتابته قد يجرح مشاعر شخص عزيز عليه، يتوقف عن الكتابة لدقائق عدة سارحاً بعلاقته وقرابته بهذا الشخص، يقرر الاستمرار قائلاً لنفسه إن صديقي من بيّن لي عيوبي، ومتذكراً قول أمير المؤمنين «رحم الله امرءاً أهدى إليّ عيوبي»...

يستمر الكاتب بالكتابة ولكنه بعد أسطر عدة أخرى يكتشف أن ما قام بكتابته رغم أنه نقد هادف والهدف منه ليس شخصياً إنما هو يهدف للتعديل والإصلاح من أجل المجتمع ومستقبل الأجيال إلا أن الخوف يدخل قلبه بقوة محذراً من سوء فهم ما كتبه أو من أنه لم يختر التوقيت الصحيح، ليسرح بخياله في العواقب التي تنتظره هو شخصياً وقد تمتد هذه العواقب لتصل لعائلته الصغيرة، يرفع عينيه عالياً متفحصاً سقف المكتب الجالس به، يرمي بالقلم جانباً و يتمتم بكلمات غير مفهومة أبداً، بعدها يأخذ الورقة ليقطعها لقطع صغيرة ويرمي بها بسلة المهملات.

يأخذ بعدها ورقة جديدة ويبدأ بالكتابة مرة أخرى و يقرر أن يكتب عن الطبخ فالكتابة عن الطبخ هي أسهل طريقة للابتعاد عن المشاكل، يتذكر الطبخات التي يجيدها، نعم إنه عندما يخرج مع أصدقائه فإنهم يطلبون منه طبخ «عيش المشخول» فهو يجيده، لذلك فقد قرر شرح طريقة طبخ «عيش المشخول» التي ورثها من جدته، فجدته كانت مسالمة ونصوحة وكل الجارات يحترمنها ويقدرنها ولم تبخل يوماً على أي منهن بتعليمها طريقة طبخ أي طبخة تطلبها منها، والأهم أنها كانت متميزة بإخلاصها وصدقها بإعطائهن المقادير والطريقة الصحيحة، فالكثير من الجارات يعتبرن أن مقادير الطبخة الصحيحة سر قد يصل لمستوى الأسرار الحربية، وبعضهن ليس لديهن أي مانع بإعطاء وصفة خاطئة، وأن الوصفة الصحيحة لا يجب إعطاؤها إلا لبناتهن مع وصية صارمة بعدم البوح بها إلا لبناتهن...!