يُعد تمثال العاشق علي والملكة نينو، من أشهر التماثيل الموجودة في جورجيا - باتومي.
ومدينة باتومي مدينة ساحلية تتميز بموقعها الإستراتيجي وتحظى بشهرة واسعة في مهنة التجارة والزراعة والصناعة نظراً لوجود ثروات طبيعية ساحرة، والعاشقان علي ونينو لهما شعبية كبيرة هناك، إذ تبدأ القصة الغرامية بينهما برواية عاطفية لا يمكن تخيلها كونها مبنية على علاقة حب وعشق وغرام أبدي لم يشهده التاريخ في جورجيا، فلم أعرف ما بين العاشق الصبي الأذربيجاني المسلم علي خان وحبيبته الملكة نينو الجورجية شيئاً إلا عندما سافرت بنفسي إلى جورجيا، وسمعت عن قصتهما العجيبة في مدينة باتومي، قبل مشاهدتي لتمثالهما معاً، فالتمثال الكبير الذي يضمهما يجسّد شخصيتيهما عن قرب أمام شاطئ البحر الأسود.
ويبلغ ارتفاع التمثال للعاشق علي والملكة نينو حوالي ثمانية أمتار، ولكن العجيب بالأمر عندما تقترب منهما ترى التمثالين يتحركان ببطء شديد في دائرة، ثم يتحركان ويقتربان من بعضهما البعض ليندمجا ببعضهما حتى يكونا تمثالاً واحداً.
وفي منظر مدهش وكأنهما يحكيان عن واقعهما الغرامي، ثم بعد ذلك تصبح العملية الحركية عكسية لترى كيف ينفصل التمثالان عن بعضهما وكأنهما يقولان كلمة الوداع، وهذا ما يخلق لديك إحساساً مرهفاً مليئاً بالرومانسية من جانب وبالحزن من جانب آخر.
وقد وُضع هذا النصب التذكاري أمام شاطئ باتومي ليحكي عن قصة حب خالدة على مدى الزمن حدثت بين عاشقين في جورجيا، وما يلفت الانتباه هنا جودة صناعة تمثالهما الذي يتميز بالعمل الفني الرائع مصنوع من الأسلاك المعدنية الصلبة التي تأخذ شكل حلقات فارغة من الداخل، وتكوّن تلك الحلقات رجلاً وامرأة لا توجد لهما ملامح واضحة وكأنه نسيج معدني من الخيال، وهذه التحفة الفنية صُنعت على يد النحات الجورجي المشهور تمارا كفيسيتادزي، والذي أبدع في صناعته فجعل تمثالهما يلمع نهاراً أمام أشعة الشمس ثم يضاء ليلاً ليغطي المكان الساحر بكل جوانبه أمام جمال البحر الأسود.
ويُقال إن هذين العاشقين فرقهما المكان والزمن ولم يكتب لهما نصيب الزواج بسبب الفروقات بينهما، فالعاشق الولهان علي خان من أصول أذربيجانية مسلمة، ولكنه وقع بحب «نينو» وهي ملكة جورجية مسيحية أرثوذكسية، وجورجيا لها تاريخ عريق في القصص والحروب التاريخية.
وترجع قصتهما الغرامية إلى عامي 1918 و1926 وتحديداً عند انتهاء الحرب العالمية الأولى وهي واحدة من أكثر الحروب تدميراً في التاريخ الحديث، إذ توفي فيها ما يقرب من عشرة ملايين جندي، وهو الرقم الذي يتجاوز بكثير عدد القتلى في جميع الحروب على مدى السنوات الماضية.
إن قصة العاشق علي والملكة نينو ليست ظاهرة على شكل تمثال بل تم تحويل قصتهما الغرامية الفريدة إلى فيلم سينمائي بريطاني حالفه النجاح والشهرة في عام 2016 مبنية على رواية واقعية تجمع بين الحب والعشق الأبدي وبين الصراع الثقافي والحرب العنصرية والعلاقة بينهما كبُعد الشرق والغرب، ومعاناة البُعد الثقافي والعادات والتقاليد.
وبينهما يمتزج الماضي والحاضر في إطار قصة تاريخية درامية تواجه صراعات دينية ثقافية مختلفة، كما للنصب التذكاري الخالد يأتي السياح له من كل مكان في العالم ليروا هذا الصرح الشامخ في عمله الفني، وفي حركته الدائرية التي باتت مقصداً للسياح حيث اعتاد الجميع على التقاط الصور التذكارية أمام تمثال يعتبر من أهم المعالم السياحية في باتومي، لأنه يحكي عن الرواية الوطنية الأولى في جورجيا، فالتمثال ليس رمزاً فنياً فقط بل صرحاً ثقافياً مهماً حقق نجاحاً محلياً وعالمياً فاق التوقعات.
فلو نتحدث عن العاشق علي خان وعن قصته الغرامية مع الملكة نينو ربما الحديث عنهما لا ينتهي، ولكن عندما يرتبط اسمه لعائلة أذربيجانية مسلمة وثرية أتت من صلب الصحراء الذي يمثل العالم الشرقي في عاداته وتقاليده وتربى في بيئة ثقافية واجه تحديات كبيرة في هويته الثقافية ما بين دولتي جورجيا وأذربيجان أمام قصة حب خالدة مع عشيقته الملكة نينو الجورجية المسيحية وبالرغم من انتماء «نينو» للتيار الغربي والمسيحي المتشدد إلا أنها أمام حبه قد واجهت الصعاب التي منعتها من تتويج حبها له بالزواج، وبالتالي أصبح حبها لحبيبها علي خان، خالداً رغم فشل زواجها منه، وهذا ما يعكس لنا حجم الصراع الديني حتى في مسألة العلاقات الغرامية بينهما، وهذا مثال بسيط ليرينا حجم الصراع الديني والعقائدي في العالم الذي انعكس أيضاً على التوترات الدائرة بين الشرق والغرب وبين الدين والسياسة والهوية والولاء جاءت من خلال قصة غرامية مليئة بالحب والتحديات وسط الصراع المتنوع.
وفي الختام ستظل قصة علي خان والملكة الجورجية نينو رمزاً خالداً للتسامح وقوة والتفاهم والتعايش السلمي بين ثقافات العالم المختلفة حتى يومنا هذا.
ولكل حادث حديث،،،،