قيم ومبادئ

نقطة بين (الدخَل والدجل)!  

17 أبريل 2025 10:00 م

من الوهم أن يُظن أن الأمة الصالحة لا تعدو أن تكون مجموعة أفراد صالحين... فقد يَصْلُحُ فردٌ ولا يصلحُ عضو في مجلس الأمة! ولا تعتبر الأمة صالحة إلا بكثرة فضائلها الخيرية والاجتماعية التي يكسبها أبناؤها بالرياضة الطويلة... والتربية الصحيحة واعتمادها على نفسها بعد الله في إدارة مواردها حتى تصل إلى مرحلة التنمية المنشودة... والاستقرار النفسي.

كما أننا نبتعد عن الحقيقة إذا مازلنا نسير وراء شعارات بعض النواب بالمطالبة بتنويع مصادر الدخل ولكننا فوجئنا أنه يقصد تنويع مصادر دخله هو! ولن نصل لمرحلة تنويع مصادر الدخل إلا إذا وصلنا مرحلة (الصلاح المجتمعي) وهو استعداد لا يكسبه المواطن والمقيم بما تعلمه من الكتاتيب والكتب والمدارس، ولكنه نبتة صالحة في أرض نقية وبذرة طيبة وافقت فقهاً وعلماً نافعاً تكاثر في المجتمع فتولّد في الأمة مع مرانها في معترك الحياة على مزاولة الشؤون العامة أجيالاً متعاقبة... حتى تصبح المصلحة العامة عُرفاً مستقراً وعادةً في أبنائها وبناتها يباشرونها عَفْوَ الخاطر كأنهم لا يقصدونها ولا يتكلفونها، مثلهم في ذلك كمثل الجسد الواحد... الذي فيه عقل يفكر ويدبر وأعضاء وأيدٍ تباشر وأرجل تسعى وتَحْفِد... فيشترك الجميع في تغذية الصلاح والإصلاح من الموارد الطبيعية فتوزع غذاءها بين أجزاء ذلك الجسد في غير كلفة ولا رويّة.

نعم تلك هي الحقيقة التي لا يختلف حولها الأكاديميون ولا علماء الاجتماع وهي أن علوم المدرسة وثورة المعلومات قد تقرّب المرء إلى فهم هذه العلاقة بين البذرة الطيبة والعلم النافع، بَيْدَ أنها لا تخلقها لسبب بديهي وهو أن العادة الاجتماعية تتدرع بالاشتراك مع المجتمع في عملية التربية والتعليم الدائمة ولكنها لا تتربى بمجرد الأماني بتنويع مصادر الدخل أو مجرد الملاحظة!

وشواهد ذلك كثيرة ولعل أهمها المقارنة بين الأمم التي تساوت في انتشار التعليم –في عصور النهضة– ولكنها لم تتساوَ في التربية الأخلاقية أو الاقتصادية المتميزة أو حتى السياسية الواعية!

فظاهر جداً من هذه المقارنة بين هذه الأمم أن المسألة مسألة تربية عامة مشتركة وليست مسألة فهم يستقل به كل متعلم عن طريق الجامعة أو حتى بالابتعاث إلى الخارج!

فكم خريج عندنا في كل عام وكم جامعة حكومية أو خاصة عندنا في العالم العربي والإسلامي؟ وكم هي المؤلفات المطوّلة والمختصرة التي تقذف بها المطابع كل يوم؟ وكم سمعنا وشهدنا دورات التميز والإبداع؟ وكم حزب سياسي ووثيقة إصلاح مالي عندنا؟ لماذا لم يحققوا تنويعاً في مصادر الدخل؟ رغم كثرة المطالبات؟!

وعلى هذا الكم الهائل من المعلومات كان ينبغي أن نكون قدوة بين الأمم في تنويع مصادر الدخل لو كان مدار الأمر على معارف المدرسة أو المطالعة! ولكننا بتنا اليوم في حال لا نُحسد عليها... حيث إن أكثر (مخرجات التعليم) مثل (القيعان) وهي الأرض التي لا تمسك الماء ولا تُنبت الكلأ... يمر عليها ماء المطر ولا يُفيد فيها شيئاً، لا تُنبت ولا تمسك الماء حتى يشرب منه الناس.

هذه حال أكثر الأجيال الناشئة لا يتعلم ولا يستفيد ولا ينفع غيره يعيش على هامش الحياة! فأين هي الأمّة الصالحة، على الرغم من أننا نملك ثروات طبيعية وبشرية لا يملكها العالم الأول، إلّا أننا لا نعرف كيف نوظفها، فوظفها العالم لصالحه؟!

فهل نتوقع صلاح الأمة واستقامتها وغيرها هو الذي يتحكم في مواردها؟ وهذا يوضح لنا الفرق بين (الدخَل والدجل)؛ نقطة فوق، ونقطة تحت!