عرف العالم مصطلح «جماعات وتنظيمات إرهابية»، وأيضاً «شخصيات إرهابية»، ثم تطور الأمر مع رئاسة بوش الابن للولايات المتحدة الأميركية، فظهر مصطلح «دول إرهابية» و«من ليس معنا فهو ضدنا»، وليس ضدنا فقط بل هو إرهابي مهما كان وضعه وقيمته، فنال وصف الإرهاب الجمعيات الخيرية التي تقدم الغوث الإنساني والمساعدات للناس، وامتد غول قاعدة: «من ليس معنا فهو ضدنا» يأكل كل من يعارض الولايات المتحدة، أو مجرد أن يختلف معها، ليس فقط بل من تشك فيه الإدارة الأميركية بل والأطرف من لا تستريح له بشبهة واحد في الألف.
الأحدث هو دخول الفضائيات داخل مصطلح الإرهاب، فقد يئست وفشلت أميركا بكل ما تملكه من أدوات إعلامية جبارة تتحكم في الخبر وتداوله في العالم في مواجهة الرأي الآخر ومقارعة الحجة بالحجة عن طريق الأدوات الإعلامية، فبدأت المؤامرة نحو فضائيات عربية باعتبار أنها «تحرض على الكراهية والقتل»، على حد قولهم العجيب، فبدأوا في تفصيل القوانين لهذا الغرض.
فقد أقر مجلس النواب الأميركي في شهر يناير بأغلبية ساحقة مشروع قانون جديد يسمح للإدارة الأميركية باتخاذ إجراءات عقابية ضد قنوات فضائية في الشرق الأوسط بحجة «التحريض على الإرهاب»، ولايزال المشروع ينتظر تصديق مجلس الشيوخ وتوقيع الرئيس الأميركي باراك أوباما.
ويطلب القانون من الرئيس الأميركي رفع تقرير كل ستة أشهر عما أسماه «التحريض على العنف ضد الأميركيين» في القنوات الفضائية في الشرق الأوسط، ويدعو إلى فرض إجراءات عقابية على مالكي الأقمار الاصطناعية التي تسمح ببث هذه القنوات.
الشاهد أن هذا القانون تعبير خطير عن العقلية الأميركية الاستعمارية، وكاشف فاضح لجميع دعاويها الزائفة عن حرية الرأي والتعبير والديموقراطية وغير ذلك من الشعارات، والظاهر من هذا القانون اننا أمام حالة جديدة من حالات الاحتلال، فقد عرف العالم الاحتلال العسكري وعرف أيضاً الاحتلال الاقتصادي بالتبعية، وأيضاً عرف العالم الاحتلال القيمي، أو الاحتلال الاجتماعي الذي أدى إلى تقليد شعوب كثيرة للنمط الغربي الاجتماعي والقيمي «على ما هم عليه من عادات وتقاليد وعرف». واليوم نحن أمام الاحتلال الإعلامي، والبعض يقول إن دولاً عربية قدمت مقدمات لهذا القانون في ما سمي ميثاق الشرف الإعلامي الذي قدم في مؤتمر لوزراء إعلام عرب في فبراير 2008.
وعلى رأس هذه الفضائيات العربية: قناة «الأقصى» التي تتبع «حركة حماس»، ثم قناة «المنار» «حزب الله اللبناني»، وأيضاً قناة «الجزيرة» في بعض برامجها.
اللافت في القائمة السوداء التي تسربت للقنوات الفضائية المغضوب عليها أميركياً أنها تترصد قنوات لها دور في دعم المقاومة إعلامياً وهو يدل بلاشك على هزيمة الآلة الإعلامية الأميركية الجبارة بما تملكه من قدرات في منع تأثير تلك القنوات مع قدرات بعضها المحدودة مثل «الأقصى».
لكن الخطير في هذا القانون أنه طالما لا يستهدف قنوات فضائية عرفت بالتغريب فإنه يخفي في داخله بلاشك مخططاً ضد الثوابت الإسلامية والعربية وليس ضد المقاومة فقط، لذلك أعتقد أن هذا المخطط يترصد أيضاً القنوات الدينية الإسلامية، رغم أن لها سقفاً محدداً، إلا أن الرغبة الاستكبارية والاستعمارية الأميركية ترفض ظهور أي خطاب إعلامي يقول «الله أكبر» وليست أميركا أكبر!
ولكن ماذا يفعل الأميركان أمام شبكة الإنترنت وسرعة تداول المعلومات من خلالها وانتشارها بصورة لا حد لها في العالم، واستغلال جميع أنواع الفكر السياسي والديني المقاوم لطغيان الأميركيين... هل سيتم إلغاء الشبكة، أم حجب المواقع؟
يبقى أنه إذا تم تمرير هذا القانون وإقراره نهائياً للعمل به بموافقة أوباما ومجلس الشيوخ فإنه يعتبر بمثابة إعلان نهائي كاشف للاستبداد والطغيان الأميركي في صورته الجديدة، وفضيحة للديموقراطية الأميركية، وسقوط هائل لجميع دعاواها التي تتغنى بحرية الرأي، واعتراف صريح بفشل أميركا بكل ما لديها من قدرات هائلة ومتنوعة في مواجهة الكلمة والصوت والصورة.
ممدوح إسماعيل
محام وكاتب
[email protected]