(إنّ العيد في حقيقته عيد القلب، فإن لم تملأ القلوب المسرة، ولم يتبعها الرضا، ولم تعمها الفرحة، كان العيد مجرد رقم على التقويم).
الأديب علي الطنطاوي
في يوم العيد يجب أن نقلب الصفحة ويكون الحديث عن الفرح والسرور وتبادل مشاعر المحبة، وعلى الإنسان أن يفرح بغض النظر عن الواقع والظروف، ومن محاسن العيد أنه يجدّد حياة الإنسان ويحيي رغبة في الحياة، وفرحة الأطفال وابتساماتهم خير دليل على ذلك... لتنتقل الفرحة إلى الآباء بعد مشاهدة أبنائهم بهذه الصورة الجميلة.
والإنسان في هذه الأيام مع زحمة الحياة والمسؤوليات لا يلتفت إلى مثل هذه الأمور خصوصاً مع تقدم العمر، مع أنها مهمة للأسر والأبناء والزوجات والأصدقاء وللجميع حتى الغرباء، حتى يأتي العيد ليذكرنا بصناعة الفرح، لأنه ارتبط في أذهان الجميع الصغار والكبار بصناعة الفرح، بل وتلاحظ فرح كل المجتمع بهذا العيد، وحديث المجالس كلها تتحدث عن هذا الفرح بيوم العيد، والفرح صناعة حالها حال أي صناعة أخرى، وهو فرصة للتقرب بين الأبناء والزوجات وإزالة الحواجز والرواسب، ومحاولة إلى تجديد التسامح والحب من جديد وأن نرسم البسمة على وجوههم، وهذا لا يقدر عليه إلا من يقدر قيمة الفرح، فلنستثمر هذه الأوقات لننثر الحُب والجمال في يوم العيد.
وإذا أردت أن تنظر إلى جمال العيد فتأمل في وجوه ونفوس الأطفال، حيث إنهم من أكثر الناس فرحاً بالعيد وهم من صناع الابتسامة، حتى أن مشاهدة الأطفال في العيد بالزينة والملابس الجديدة تجعل الإنسان في سعادة وفرح بسبب العفوية التي لديهم. وهو يوم الفرح والزينة وليس يوماً لتذكر المشاكل والحديث عن الخلافات وتناقل الأخبار الإعلامية، وإنما هو وقت إيقاف الزمن من أجل إحياء الفرح في النفوس وتصفية النفوس، وهذا هو جوهر العيد، فعيد الفطر هو شكر لله عز وجل على الصيام.
ولا ننسى في العيد أن نتذكر الضعفاء والمساكين والأيتام من حولنا، وأن نواسي أهل الحاجة ونغنيهم عن السؤال، حتى نرسم الابتسامة في كل دار وبيت، ونشكر الله تعالى على كل النعم التي نحن مغمورون فيها، وهذه النعم تستحق الشكر، كما قال تعالى: «وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ».
الشعور بالفرح بالعيد لا يحتاج إلى إمكانات كبيرة بقدر ما يحتاج إلى نفس نقية صافية متسامحة لا تحمل الحقد على الآخرين، لأنها نابعة من أعماق النفس الإنسانية، وهي بحاجة إلى تفهم حاجة النفس قبل كل شيء، وقد تكون بإمكانات قليلة بسيطة لا تكلف شيئاً، ولكنها فقط تحتاج إلى نفسية الطفل الذي لا يحمل الحقد على أحد، وعندما يغضب سهل أن يرضى بعد ذلك.
وما أجمل أن يعيش الإنسان حياة سوية خالية من العُقد الاجتماعية، يكون متسامحاً مع الناس، لأن القواسم المشتركة أكثر بكثير من التقاطعات والاختلافات، ونحن البشر عبارة عن كتلة من المشاعر والأحاسيس، وأكبر معاركنا هي التي تدور في نفوسنا، لأن مشكلة الآلام النفسية أنها لا تُرى بالعين ولكن أثرها كبير على الإنسان، وقليل من الناس من يستطيع التعامل بإيجابية مع أحداث الحياة اليومية لأننا لم نتعلم كيف نعيش حياة سوية ونعبر عن مشاعرنا بكل أريحية، وهذا ما يشكّل ضغطاً نفسياً رهيباً وفي بعض الأحيان يؤدي إلى الأمراض لا قدر الله.
ولا ننسى أن نتقدم بخالص الشكر لكل الذين كان لهم دور في شهر رمضان الفضيل، سواء أبطال وزارة الداخلية العين الساهرة الذين كانوا ينظّمون الطرق في الفترتين، الصباحية والمسائية لضمان وانسيابية حركة المصلين في صلاتي التراويح والقيام بالمساجد، والوزارات التي كان لها دور بارز، وأيضاً القائمين على الجمعيات الخيرية الذين كانوا يأخذون الأموال من المُوسرين ليعطوها للمُعسرين، وللأمهات والزوجات في البيوت اللواتي كنّ في حال طوارئ طوال شهر رمضان لإعداد الوجبات، وأيضاً إخواننا الوافدين العاملين في مختلف المهن والبعيدين عن أسرهم من أجل كسب لقمة عيش كريمة لهم.