عيد بلا أم

22 مارس 2025 06:00 م

تتوالى الأيام وتتواتر السنون على بني آدم، ويطوف به الزمان ملفوفاً بأحداثه وملماته ومسراته، ينسى معظمها ويتذكر بعضها، ثم تأتيه سكرة الموت مثلما أتت به صرخته الأولى حين ولادته، وينقضي إلى حيث مرقده منتظراً اليوم الموعود ليكون بعدها في جنة الخلد مع المخلدين أو دار سَقَر وما أدراك ما سَقَر...؟!

في كل تلك القصة تتعانق الأقدار وأناس يتبدلون يظهرون ويتوارون إلا وجه واحد يبقى مع إنسانيته لا يفارقه ولا يختفي عنه، بل يخالجه في حشاياه تارة ويتراءى أمام مقلتيه تارة أخرى... يداعب معه دغدغات راحة الرِجل أحياناً ويلتمس ما بين حنايا الصدر أحياناً أخرى...

ذلك الوجه الذي ما يلبث أن يخفى حتى يلوح وضاحاً كخفقان قلب محتفل، ذلك الوجه الذي لا تفارقه البسمة حتى وهي في أوج غضب مرتجل...

ذلك الوجه الذي يبعث الأمل من بين مضايق دروب الحياة حتى بعد أن غيّبها هادم اللذات...

ويستمر ذلك الوجه بطيفه وعطفه وأرجوانه كنور قمر في ليلة خمسة عشر...

إنه وجه أمي الذي اختفى عن عيدها ولكن مازال وجهاً يلامع في ذكريات ويداعبها بين مد وجزر فلا يمكن أن يطويها الثرى، فتسقي من روافدها الأثر...

أمي رحلت وأتي عيدها حزيناً يرتدي وشاح الاستحياء ويقترب منى مذكراً بذياك الوجه المقمر المبتسم، فطرقت بوجهي إليه وقد انسحبت عليه دموع فراق يسبح ويغرق فيها ابن يعاني اليتم في الكبر، فخجل وانعطف بوجل مرتحلاً وناديته هلم إلى صدري يا عيد أمي لعل فؤادي يضطجع على ذكرى قلبها الكبير فيخلد إلى نومه معها حيث تخلد مع القمر، فيا عيد لا تخجل مني ولا ترحل... أرجوك يا عيد فلم يعد لي صدر حنون ولا قلب عطوف بعد رحيل أمي... يا عيد بأي حال أتيت لترحل وتعود وهكذا تستمر بين ذاهبٍ وإيابٍ طوال الدهر، لكن أمي يا دهر ستبقى مخلدة على فؤاد مرسوم عليه أثر.