إطلالة

أمينة خانت الأمانة... واصبحت جاسوسة!

19 فبراير 2025 10:00 م

ربما الكثير لا يعرف عن الجاسوسة أمينة المفتي، ترى مَن هي المرأة التي أعجبت بمهنة الجاسوسية، ولماذا تحولت من امرأة مسلمة الى جاسوسة إسرائيلية، وما هي جنسية وأصل هذه الجاسوسة التي حيّرت العالم في ذكائها وجمالها، وما قصتها مع القادة الفلسطينيين، وكيف استطاعت أمينة المفتي، اختراق جدار السرية مع المقاومة الفلسطينية والكشف عن مواقع أماكنهم السرية؟!

تعتبر أمينة المفتي، من أخطر الجواسيس العربية التي عملت في صفوف الموساد الإسرائيلي ويقال إنها من مواليد 1967 في الأردن وتحمل الجنسيتين الأردنية والاسرائيلية، وتتحدر من أصول عربية شركسية مسلمة، ولكن بسبب كرهها للإسلام قامت بتغيير ديانتها إلى اليهودية لتصبح أشهر جاسوسة عربية - يهودية في تاريخ الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: من يتجرأ على ترك أهله ودينه وشهادته ليعمل مع الموساد؟!

إنها أمينة المفتي، فهي الجاسوسة التي استغنت عن أهلها لتتزوج طياراً يهودياً يدعى موشيه بيراد، بعد أن تعرفت عليه في النمسا ثم هاجرت الى اسرائيل لتستوطن مع زوجها هناك وتلتحق للعمل كجاسوسة لصالح الموساد الاسرائيلي ضد الفلسطينيين وقادتهم. حتى لقبت هذه المرأة «بلؤلؤة المخابرات الإسرائيلية».

لقد كانت المفتي، فتاة جميلة وتمتلك وجهاً ملائكياً ولكن خلف جمال ذلك الوجه كانت تخفي أبشع خيانة عرفها العرب، والبعض يقول عنها كانت ذكية جداً الى حد الجنون والهوس ولكنها كانت مستعدة لارتكاب أي فعل شائن لأغراض مختلفة، فكرهها لمجتمعها جعلها تكسر كل القيود، ولذلك عرفت اسرائيل كيف تستغلها فصنعتها من الصفر أي من لا شيء الى أهم جاسوسة عربية تعمل لديها، ولم تكن عميلة عادية بل كانت مشروعاً يهودياً استخباراتياً كاملاً، بل وحتى زواجها من الطيار الاسرائيلي لم يكن مجرد علاقة رومانسية توّجت بالزواج بل كان باباً مفتوحاً نحو عالم الجاسوسية والخداع والخيانة، واليوم عندما يتم ذكر اسمها تتدفق أمامك صورة كاملة من المؤامرات السرية واللقاءات المشبوهة معها، وكم دماء قد سالت بسبب المعلومات التي سربتها للموساد، فقد تحولت هذه الفتاة الجميلة المحافظة الى أداة استخباراتية خطيرة ساهمت في تصفية الكثيرين...

فمنذ صغرها كانت تشعر بأنها مختلفة عن الآخرين لأنها كانت تبحث عن شيء أكبر من حياتها العادية بل تريد سُلطة مطلقة وحرية بلا قيود، وهذه الخصال دفعت عائلتها أن تقرر إرسالها الى النمسا لدراسة الطب، ولكن بدلا من ان تكون مجرد مرحلة دراسية لتتحول من خلالها الى نقطة اللاعودة في حياتها، وفي فيينا وجدت الحرية والفرصة الكبيرة للتحرر عن تقاليد عائلتها وبلدها، فتجاهلت كل شيء يربطها بماضيها، فبدأت بالاختلاط مع أوساط مشبوهة فاشتركت مع مجموعات طلابية متطرفة وتخالط أشخاصاً بلا قيود أخلاقية من أجل التمرد لتكسر كل الحواجز، وخلال حياتها في النمسا تعرفت على فتاة يهودية تدعى سارة بيراد، التي تنادي بالتحرر من العادات والتقاليد وهي من الحركة الليبرالية المتطرفة التي تدعو الى الحرية المطلقة وتجاهر بكراهيتها للأديان الاخرى، لذلك انغمست أمينة معها في أسلوب حياتها فتعرفت على عائلتها والتقت بشقيقها الاكبر الذي يعمل طياراً في السلك الاسرائيلي العسكري يدعى موشيه بيراد، عرض عليها الزواج ولكنه وضع شرطاً ضرورياً وهو ترك الاسلام واعتناق اليهودية، فوافقت أمينة على الفور من دون تردد وكأنها تنتظر هذه اللحظة، وعندما أعلنت ترك إسلامها تبرأت منها عائلتها تماماً، وهدّدوها بالقتل إن عادت الى الاردن ولكنها لم تهتم بالأمر كثيراً، وبعد وصولها الى اسرائيل استدعتها جهات أمنية اسرائيلية وكان الاستدعاء على هيئة جلسة استطلاع غير مباشرة، وأثناء الحديث معهم لم تخف مشاعرها الحقيقية تجاه العرب والمسلمين بل عبرت بصراحة عن كراهيتها لهم وعن احتقارها لمجتمعها وعدم اعترافها بالقضية الفلسطينية، وبالتالي رأوا فيها مشروع جاسوسة مثالية كونها جميلة جداً وتحمل جوازاً أردنياً وتتحدث العربية بطلاقة وتمتلك الكراهية التي يبحثون عنها، ومن هناك بدأت رحلة استغلالها في التجسس، فلم يكن التجنيد إجبارياً بل قدم كفرصة ذهبية لها لحياة تراها الأفضل، فتم إغراؤها بالمال والسلطة وبوعود لم تكن تحلم بها من قبل، خضعوها لتدريبات مكثفة شملت التشفير - نقل الأخبار - إرسال التقارير - استخدام أجهزة التنصت - أساليب متعددة من المراقبة - التخفي - استخدام الأسلحة في الحالات الطارئة، وحينما أصبحت جاهزة تم تسليمها بجهاز إرسال لاسلكي متطور صغير مع تذكرة سفر الى لبنان وتحديداً الى قلب مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، وهناك بدأت اللعبة الحقيقية حيث ذهبت أمينة هناك تحت غطاء المتطوعة الانسانية التي جاءت لمساعدة الفلسطينيين في محنتهم، فلم يكن أحد يشك في نواياها.

فقد بدت كامرأة عربية تتحدث بلهجة فلسطينية وتحمل معها الأدوية والمساعدات وتبدي دعمها العاطفي للقضية الفلسطينية، وبفضل مظهرها الجذاب وشخصيتها الذكية استطاعت أن تكوّن علاقات وثيقة بسرعة، ولكنها لم تكتفِ بالكلام وحده بل استخدمت أسلوباً أكثر خطورة وقذارة من خلال تكوين علاقة مع شخصين كانا مفتاحها الأول للوصول الى معلومات حساسة، كون احدهما يعمل في قطاع الاتصالات وهو من سلمها معلومات قيمة لا تقدر بثمن، لقد سلمها عناوين القادة الفلسطينيين وأرقام هواتف سرية للمنظمة، وأرقاماً مشفرة تخص الزعماء العسكريين للفصائل الفلسطينية، وبذلك كان مفتاحها المهم للوصول الى كل ما تريد، فلم تكتف بمنحه ما يريد بـ(المقابل) بل أغرقته أمينة بالمال حتى أصبح اداة مهمة بيدها، ولكنها كانت تعلم أن الاعتماد على رجل واحد خطأ، لذا بدأت تسجل كل لقاءاتهما وتجمع الأدلة وتسجل صوت أحدهما وهو يسلمه الأسرار العسكرية، ثم تلتقط له صوراً، ومن هنا جاءت المفاجأة حيث صارحته بالحقيقة وقالت بكل جرأة: أنا عميلة للموساد وأنت الآن تعمل معي بعدما هددته بالصور (...) التي تجمعهما معاً والتسجيلات الصوتية له وهو يعطيها المعلومات السرية إلى أن أصبح مجبراً على خدمتها، وهذا ما ساعدها مع آخرين الى التسلل الى داخل فلسطين وبين الفصائل الفلسطينية ثم دخلت المخيمات وتعرّفت على القادة الميدانيين، لتقدم نفسها كطبيبة متطوعة خدمة في مساعدة وعلاج المصابين، فأظهرت ولاءها التام لهم وحماساً غير محدود للقضية الفلسطينية حتى نجحت في كسب ثقة القادة البارزين في المقاومة حتى انها حصلت على تصريح رسمي من الفصائل الفلسطينية للدخول الى جميع المواقع الفلسطينية سواء العسكرية او المخيمات، فلم يكن أحد يشك في أنها عين اسرائيل في قلب المقاومة ويدهم التي لا تُرى، وبفضلها سقطت أسماء ثقيلة كان من الصعب الوصول اليها، وبفضل معلوماتها استطاعت الكشف عن أخطر مخابئ المقاومة، وسلمت معلومات قادت الى اغتيال قيادات فلسطينية بارزة ونجحت في تمرير بيانات سرية كانت ستحتاج اسرائيل الى سنوات للحصول عليها، لتصبح أمينة خنجراً مغروساً في قلب المقاومة.

نعم أصبحت هي أداة استخدمتها اسرائيل لضرب الفلسطينيين المناضلين فلم يكن من الممكن الوصول اليهم لولا تسريباتها، ولكن لكل خائن يوم يسقط فيه!!

لقد ارتكبت أمينة المفتي، خطأً يبدو بسيطاً ولكنه كان الخطأ الذي كشفها تماماً أثناء حديثها مع أحد قادة المقاومة حينما طرحت له سؤالاً عابراً عن أبنائه، ليرتبك هذا القائد فوراً عن السؤال، فلم يعلم أحد أنه متزوج ولديه أطفال، فمنذ تلك اللحظة بدأت رحلة الشكوك تحوم حولها، فأرسلت المقاومة طلباً الى الاردن للتحقق عن هويتها، ولم يكن هذا كافياً لإدانتها ولكن الشكوك ظلت قائمة حتى ورد بلاغ من احد المصادر الفلسطينية في النمسا يؤكد وجود طبيبة أردنية درست هناك مع صديقتها اليهودية المقربة التي توفيت بجرعة زائدة ولديها أخ طيار اسرائيلي تزوج من أردنية هربت معه الى اسرائيل، فعند هذه النقطة بدأت الصورة تتضح تماماً وكل الخيوط كانت تشير نحوها، وفي النهاية أيقن الموساد ان أمرها قد انكشف، فأمروها بالتخلص من جهازها والفرار فوراً إلا أنها لم تحصل على فرصة مناسبة حتى تحركت المخابرات الفلسطينية واعتقلتها قبل ان تهرب. والطامة كانت عندما فتشوا شقتها الخاصة فلم يجدوا دليلاً يدينها، فقد أخفت كل شيء بإتقان مريب. ولكن اللعبة قد انتهت معها فسقطت أخطر جاسوسة عربية في قبضة المقاومة الفلسطينية وبقيت الجاسوسة أمينة المفتي معتقلة في السجون الفلسطينية حتى تمكنت الاستخبارات الفلسطينية من الوصول الى شقتها في فيينا حيث عثروا على مذكراتها التي كشفت الكثير عن حياتها لينكشف المستور، وأثناء وجودها بالسجن وبعد ضغوط التحقيق معها اعترفت أمينة المفتي، على كل شيء في حياتها الجاسوسية، وبعد 5 سنوات في السجن المشدد تم الإفراج عنها في 13 فبراير 1980 في صفقة مقايضة بالأسيرين الفلسطينيين مهدي بسيسو ووليام نصار في جزيرة قبرص بإشراف الصليب الأحمر، ليُغلق (حينئذ) بذلك أحد أخطر ملفات الجاسوسية في تاريخ المنطقة...

أمينة بفعلتها هذه خانت اعراف ما يحمله اسمها من مضامين، كـ(المؤتمنة، الموثوق بها، الوفية للعهد والوعد)، لتسير في درب الخيانة والجاسوسية، ليفضى بها إلى التهلكة!

ولكل حادث حديث،،،

[email protected]