د. أحمد يوسف / حماس: أربعة أعوام من التقلّبات والمسار الصعب
1 يناير 1970
06:25 ص
تمر هذه الأيام الذكرى الرابعة لتسلم «حركة حماس» مقاليد السلطة، وذلك في أعقاب فوزها بالانتخابات التشريعية في 26 يناير 2006، وتشكيلها للحكومة في مارس من العام نفسه.
كانت حركة «حماس» تحمل آمالاً وتطلعات كبيرة لتحقيق برنامجها في التغيير والإصلاح، ولكنّها مرت بمحطات صعبة، وواجهت تحديات استنزفت طاقاتها وحرفت مسار بوصلتها، ودفعتها لخوض معارك جانبية مع خصومها السياسيين خصوصا «حركة فتح». حاول عقلاء الحركة الاستدراك، فطرح د. عزيز دويك رئيس المجلس التشريعي على الفصائل الفلسطينية برنامجاً للإصلاح الوطني، وفعلاً نجحت الجهود في الخروج من طوق الأزمة بما يسمى برنامج الوفاق الوطني. حاولنا في ظل ذلك البرنامج التعايش وطنياً، ولكن ظلت المناكفات السياسية والاستفزازات المسلحة تحرف المسار بعيداً عما هو مطلوب لإصلاح الوضع الفلسطيني الداخلي، الأمر الذي أعاد الساحة من جديد إلى المواجهات المسلحة وأشكال أشد من الفوضى الأمنية، التي كانت تجد لها، للأسف، غطاءً من بعض قيادات الأجهزة الأمنية.
لاشك بأن التآمر الغربي على حكومة «حماس» كان كبيراً، حيث إن أميركا، جورج بوش الابن، كانت تريد إسقاط هذا النموذج أو إفشاله، خصوصا هي التي شنت بعد 11 سبتمبر 2001 حربها المفتوحة على الحركات الإسلامية بذريعة الإرهاب... إن «حركة حماس» الفلسطينية كانت واحدة من تلك الحركات التي وضعتها أميركا في دائرة الاستهداف والملاحقة، وذلك لأن نجاحها السياسي يعتبر ضربة للاستراتيجية الأميركية، التي كانت تستهدف تدجين الإسلام السياسي أو إقصاءه عن مسرح السياسة الدولية.
وإذا أضفنا لهذا التآمر الغربي التواطؤ الإقليمي والعدوان الإسرائيلي المستمر على الضفة الغربية وقطاع غزة، أدركنا أن المناكفات السياسية لخصوم حماس السياسيين ومحاولات البعض في الأجهزة الأمنية السابقة خلق حالة تمرد داخلي، كان هدفها العمل على إفشال الحكومة وبرنامجها في التغيير والإصلاح.
في الحقيقة، قامت «حركة حماس» بتقديم الكثير من التنازلات من أجل المصلحة الوطنية العليا، وفتحت الباب واسعاً لتشكيل حكومة وحدة وطنية على أرضية «اتفاق مكة»، وكان التصور أن الغرب سيتوقف عن تآمره ويعطي الفرصة للفلسطينيين لبناء نظام سياسي قائم على التعددية والشراكة السياسية، ولكن للأسف لم تدم حكومة الوحدة أكثر من ثلاثة أشهر، حيث تصاعدت وتيرة الاستهداف لـ «حماس» من جديد، الأمر الذي استدعى القيام بعملية تطهير ارتكب الجميع فيها أخطاءً وتجاوزات، وسالت الكثير من الدماء على أرض قطاع غزة فيما عُرف بعملية الحسم العسكري في يونيو 2007.
وهنا، يجدر الذكر بأننا حاولنا، في الحكومة الفلسطينية، كسر العزلة السياسية التي فرضها الغرب علينا، والسفر إلى بعض الدول الأوروبية للتعريف برؤيتنا ومواقفنا، واجتهدنا في التواصل مع المجتمع الدولي عبر الكثير من الوسطاء... ومع اعتراف الجميع بأننا نستحق أن تُفتح لنا الأبواب، وأن تُعطى لنا الفرصة لمناقشة كافة القضايا السياسية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وتقديم وجهة نظرنا فيها، إلا أن أميركا آثرت سياسة الحصار وفرض العزلة السياسية علينا، وهذا ما تماهت معه الدول الأوروبية، والتي قامت، للأسف، بانتهاج السياسة نفسها.
لقد اجتهدنا في حكومة الوحدة الوطنية أن نقدم برنامجاً سياسياً مشتركاً يمنح الرئيس (أبو مازن) صلاحية التفاوض مع الطرف الإسرائيلي والعودة لمؤسسات السلطة و«منظمة التحرير» لتقدير نتائج هذه الجهود، وكذلك توافقنا جميعاً على حق شعبنا في المقاومة التي كفلتها المواثيق الدولية، طالما أن الاحتلال ما زال جاثماً على أرضنا في الضفة الغربية وقطاع غزة.
كلٌّ هذه الاجتهادات ذهبت أدراج الرياح، وظلت أميركا على موقفها بضرورة التخلص من «حركة حماس». ومن هنا، جاءت خطة أبرامز التي تمَّ الكشف عنها. وكانت عناصر التحريض والتصعيد والاحتكاكات المسلحة التي ساقت الساحة الفلسطينية إلى قعر الاشتباكات الدامية وتفجير الوضع الداخلي في تطبيق واضح لمفهوم الفوضى الخلاقة الذي طرحته الإدارة الأميركية آنذاك، ليقع الانقسام المدمر بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
قطاع غزة: استتباب الأمن والهدوء
إن الأعوام التي أعقبت عملية التطهير أو الحسم العسكري قد شهدت حالة من الأمن والاستقرار لم يشهدها قطاع غزة منذ مجيء السلطة عام 1994... وقد أشاد بهذه الحالة كل من زار القطاع قبل وبعد الحسم، حيث اختفت مظاهر العسكرة والفوضى المسلحة من الشوارع، وساد النظام وحكم القانون. ونجحت الحكومة في فرض هيبتها واحترامها على الجميع، ولم نعد بحاجة لضبط النظام عبر التهديد بالسلاح بل بسلطة القانون.
جهود المصالحة: محاولات لا تنتهي
بعد أن وقع الحسم العسكري، وتوسعت الجراح بين إخوة الدرب الواحد، دخلت على خط المصالحة جهات فلسطينية وعربية ودولية.. كانت حُمّى الجهود لا تتوقف، وطرحت العديد من المقترحات التي تشكل مخرجاً مناسباً لإنهاء حالة الانقسام، ولكن كانت حدة الاحتقان شديدة، لذلك لم تثمر هذه الجهود الخيّرة.
وفي هذه الأثناء، كانت محاولات بعض الأطراف الإسلامية والأوروبية لجمع الصف، إلا أنها اصطدمت جميعاً برغبة أميركا في تعطيل الجهود كافة، وإجهاض عملية المصالحة لتعطي للجنرال كيث دايتون كل الوقت لاستكمال بناء الشبكة الأمنية في الضفة الغربية بحسب المعايير والرؤية الإسرائيلية.
وثيقة إنهاء الانقسام
عملت مصر مشكورة على مدار أكثر من عام على تقريب وجهات النظر بين حركتي «فتح» و«حماس»، وقد نجحت إلى حدٍّ كبير في تخفيف حدة الخلاف، والدفع في اتجاه تحقيق المصالحة ضمن رؤية يتوافق عليها الطرفان، إضافة لباقي فصائل العمل الوطني. كانت الأجواء مهيأة للتوقيع في احتفالية ترعاها القاهرة في نهاية شهر أكتوبر 2009، ولكن تداعيات تأجيل النظر في «تقرير غولدستون» بطلب من الرئيس (أبو مازن) أوجد حالة من الإرباك السياسي والتراشق بالاتهامات، التي أعادت خلط الأوراق وتعكير العلاقة بين الطرفين من جديد. وتقدمت السلطة بطلب إعادة طرح التقرير، كنتيجة للضجة الكبيرة التي أعقبت موقفها، ثم كان الإقرار بعرضه على الجمعية العامة للأمم المتحدة.
أرسلت القاهرة وثيقة إنهاء الانقسام للتوقيع عليها من قبل «فتح» و«حماس»، حيث كان من المفترض أن يأتي توقيع الطرفين دون اعتراض، للانتقال للمرحلة الثانية وهي كيفية تطبيق ما جاء في بنود هذه الوثيقة والمتعلق بالملفات الخمسة الجوهرية، وهي: تشكيل اللجنة الوطنية العليا، وإجراء الانتخابات، وتفعيل «منظمة التحرير»، وإصلاح الأجهزة الأمنية، وتحقيق المصالحات الداخلية.
لقد قامت «فتح» بتوقيع الورقة، وتريثت «حماس» بسبب وجود بعض الملاحظات على الورقة تحتاج إلى مزيد من الإيضاحات من جهة طرف الوساطة... وكان من المتوقع أن تبادر مصر إلى دعوة الطرفين إلى جلسة أخيرة أو دعوة جميع الفصائل لوضع اللمسات الأخيرة على الوثيقة... ولكن، للأسف، أصرت القاهرة على التوقيع أولاً، ومن ثمَّ يتم الأخذ بملاحظات «حماس» وباقي الفصائل في الحسبان عند مباشرة تطبيقات المصالحة على الأرض. وعند هذه النقطة توقفت الجهود ولم نتقدم حتى اللحظة خطوة للأمام... وأنا هنا أقول: لقد ارتكب الجميع أخطاء ومكابرات، وإن جاءت بنسب متفاوتة.
اليوم، هناك جهود عربية ليبية وسعودية لتخطي عقبة التوقيع والوصول إلى تطبيقات المصالحة الوطنية، ونحن من طرفنا نأمل أن تثمر هذه الجهود للطرح على طاولة القمة العربية في طرابلس في السابع والعشرين من مارس المقبل.
تحديات تنتظرنا
في الواقع، هناك أربعة تحديات مهمة تواجهنا، وتتطلب تقديم استراتيجيات للتعامل معها، وهي:
أولاً: إنهاء الانقسام الداخلي واستعادة وحدة الضفة والقطاع. ثانياً: رفع الحصار المفروض على قطاع غزة. ثالثاً: حشد الدعم العربي والإسلامي والدولي خلف الموقف الفلسطيني. رابعاً: زوال الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية؛ الحرة المستقلة.
لاشك بأن هذه التحديات هي بمثابة متوالية هندسية، لن نتحرك إلى النقطة الثانية فيها قبل إنجاز النقطة الأولى، وهكذا...
لكل ذلك، أتمنى على الجميع العمل على سرعة إنهاء الانقسام، وتحقيق المصالحة لإنجاز وحدة المشروع الوطني والسلطة الفلسطينية، وسد باب الذرائع أمام الغرب الذي يحاول اللعب على حبل الانقسام الفلسطيني، وإضفاء الشرعية على حكومة الاحتلال، والتغطية على تجاوزاتها بتوسيع الاستيطان، وتكريس الحقائق الاستعمارية على الآرض.
إن الوقت لا يعمل لصالحنا كفلسطينيين، والمطلوب أن ينحاز كلٌّ منا إلى المصلحة الوطنية، وأن يتسامى فوق الاعتبارات الحزبية لأجل فلسطين ومقدساتها، التي هي بالنسبة لنا أغلى وأعز من كل الانتماءات الفصائلية وما احتوته أجنداتها السياسية.
للجميع أقول: اتّقوا الله، ولا تأخذ أحداً منكم عزّة المواقع والشعارات على حساب الوطن، وكرامة الشعب، وحُرمة المقدسات.
د. أحمد يوسف
مستشار رئيس الوزراء الفلسطيني المقال إسماعيل هنية للشؤون السياسية