سافر إلى ذاتك

«الحب الأعمى»... حينما تصبح المشاعر سراباً

5 فبراير 2025 10:00 م

كثيراً ما نسمع القول: «الحب أعمى»، وهو بالفعل كذلك حين يعيّش الإنسان في وهمٍ يجعله يتجاهل الحقائق ويبرر الأخطاء، بل وقد يبرر حتى الإساءة وسوء المعاملة باسم العاطفة. يصبح الشخص مغموراً في مشاعره، متغافلاً عن العيوب، مقتنعاً بأنه وحده من «يفهم» الطرف الآخر، وأن الحب وحده كفيل بإصلاح كل شيء. وهنا، لا يكون الحب مجرد أعمى، بل قد يصيبه الصمم والبكم أيضاً!

ما هو الحب الأعمى؟

الحب الأعمى هو حالة من التعلق غير الصحي، حيث يتغاضى الشخص عن جميع الإشارات التحذيرية، ويرفض الاستماع لصوت العقل، فيعيش في عالم من الخيال يصنعه بنفسه. قد يكون الطرف الآخر نرجسياً، متلاعباً، أو حتى مؤذياً، لكن الشخص المتعلق به يظل مقتنعاً بأنه «الحب الحقيقي»، غير مدرك لحجم الضرر الذي يلحق به.

الآثار السلبية للحب الأعمى

الحب الأعمى لا يقتصر تأثيره على المشاعر فقط، بل يمتد إلى الصحة النفسية، حيث يؤدي إلى القلق، الاكتئاب، وانخفاض الثقة بالنفس. كما أنه يسبب عزلة اجتماعية، إذ يجد الشخص نفسه يدافع عن علاقته أمام الجميع، حتى لو كان واضحاً أنها تؤذيه أكثر مما تسعده.

أمثلة من الواقع:

• «هو يغضب ويصرخ عليّ، لكنه يعتذر لاحقاً، ويقول إنه يحبني، وأنا أعلم أنه لا يقصد الإساءة». (وهنا تدخل الضحية في حلقة مفرغة من الأذى النفسي!).

• «الجميع يخبرني أنها تستغلني، لكني أشعر بأنها تحبني بطريقتها الخاصة». (مع أن أمواله تتلاشى بسببها!).

• «نعم، هو يتجاهلني أحياناً، لكنه مشغول، ولو لم يكن يحبني لما بقي معي طوال هذه السنوات». (وهنا نرى تبرير الإهمال وكأنه دليل حب!).

كيف نخرج من هذا الوهم؟!

1. المواجهة مع الذات – قف مع نفسك واسأل: هل هذه العلاقة تمنحك السعادة والطمأنينة، أم أنها تستنزفك؟

2. استشارة شخص محايد – لا يعني ذلك أن تستمع فقط لأهلك، إن كنت تراهم ضد العلاقة، لكن تحدث مع صديق تثق به، أو مختص نفسي لمساعدتك على رؤية الحقيقة.

3. التركيز على الأفعال لا الأقوال – الحب الحقيقي لا يؤذي، لا يقلل من شأنك، ولا يجعلك تشعر بأنك أقل. الأفعال وحدها هي المقياس، وليس الوعود أو الكلمات المعسولة.

4. العمل على الذات – أحياناً يكون الحب الأعمى نتيجة فراغ داخلي أو ضعف في الثقة بالنفس؛ لذا من المهم تطوير ذاتك، والبحث عن سعادتك بعيداً عن شخص واحد.

5. تخيل أن صديقك في وضعك – لو كان أحد أصدقائك يمر بتجربتك ذاتها، هل ستقول له «استمر، ربما يتغير»؟! أم أنك ستنصحه بالمغادرة؟ هذا التمرين يساعدك على رؤية الأمور من زاوية أكثر عقلانية.

الخلاصة

الحب في جوهره ليس أعمى، لكننا نحن من نختار أن نغمض أعيننا عن الحقيقة. العلاقة الصحية تقوم على الاحترام والتفاهم، لا على الأعذار والتبريرات؛ لذا، إن وجدت نفسك في علاقة تستنزفك، اسأل نفسك: هل هذا حب حقيقي، أم مجرد تعلق مَرَضيّ؟

تذكّر أن.. الحب الذي يجعلك تخسر نفسك ليس حباً، بل هو وهم، يجب الإفاقة منه.