معركة نتنياهو من أجل البقاء... من غزة إلى جنين

23 يناير 2025 10:00 م

- إستراتيجية نتنياهو تعتمد على إبقاء وتيرة الحرب «نشطة»
- إسرائيل «تقضم» تدريجياً الضفة... وتُهدّد «حل الدولتين»

يكثّف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عمليات جيشه في مخيم جنين في الضفة الغربية المحتلة، في ظل وقف إطلاق نار هش لكنه مازال صامداً في قطاع غزة.

وفي حين تبرر إسرائيل مثل هذه العمليات باعتبارها «ضرورية لمكافحة الإرهاب»، فإن هذا الهجوم ـ وهو أحد أكبر العمليات منذ أعوام ـ له عواقب بعيدة المدى على السلطة والمقاومة الفلسطينية، وحل الدولتين.

وتنطوي إستراتيجية نتنياهو على إجراء عقابي ضد الفلسطينيين وعلى مناورة سياسية محسوبة لاسترضاء شركائه في الائتلاف اليميني المتطرف ولاستمالة قاعدة الناخبين.

ومع وجود شخصيات مثل وزير المال بتسلئيل سموتريتش التي تمارس نفوذاً كبيراً، يبدو رئيس الوزراء معتمداً في شكل متزايد على المتشددين للحفاظ على بقائه السياسي وإبقاء وتيرة الحرب نشطة على جبهة واحدة على الأقل.

ويهدد الهجوم على جنين خيارَ «حل الدولتين»، الذي لطالما دعت إليه الدول العربية، وركيزته إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل على أساس حدود عام 1967. فتصرفات تل أبيب في جنين وسياساتها التوسعية الأوسع نطاقاً تجعل مثل هذه التطلعات صعبة التحقيق.

وتواجه السلطة، تراجعاً في فعاليتها، وهو ما يَبرز الآن في الهجوم على جنين - التي كانت ذات يوم تحت السيطرة المدنية والأمنية الفلسطينية الكاملة (المنطقة أ) - وسط علامات استفهام حول مغزى التنسيق الأمني مع إسرائيل بموجب اتفاقات أوسلو 1993 - 1995، وهو الإطار الذي كان من المفترض أن يؤدي إلى حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني.

وثمة مَن يعتقد أن الجماعات الفلسطينية المسلحة، اكتسبتْ قوةَ جذْب، وسط خيبة متعاظمة من خيار المفاوضات، خصوصاً بعدما رفضت الحكومات المتعاقبة، لا سيما تحت قيادة بنيامين نتنياهو، حلّ الدولتين.

فمن خلال التوسع الاستيطاني، والتوغل العسكري، وهدْم المنازل، تعمل إسرائيل تدريجياً على قضم الضفة، إذ يتجاوز عدد المستوطنين الآن فيها 500 ألف ما يجعل الدولة الفلسطينية غير قابلة للاستمرار، جغرافياً وسياسياً.

ومن الثابت أن حكومة نتنياهو هي الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل، حيث تهيمن عليها أصوات تدعو علناً إلى ضم الضفة.

ولطالما دافع سموتريتش، وهو «مرشح المستوطنين»، عن فكرة مفادها بأن الضفة الغربية، أو يهودا والسامرة (وفقاً للمصطلحات التوراتية)، تنتمي إلى إسرائيل وحدها.

وتتوافق هذه الآراء مع بيان حزب الليكود لعام 1977، الذي أعلن أن الضفة جزء لا يتجزأ من الدولة الإسرائيلية.

وفي حين استقال وزير الأمن القومي السابق إيتمار بن غفير، احتجاجاً على وقف النار في غزة، فإن نفوذ سموتريتش يلوح فوق حكومة نتنياهو. وهو كان هدّد صراحة بإسقاط الائتلاف تحت شرطين: إذا أدى وقف النار في غزة إلى بقاء «حماس» في السلطة، أو إذا توقف التوسع الاستيطاني في الضفة.

ويؤكد إنذارُه هذا على هشاشة ائتلاف نتنياهو والتنازلات التي ينبغي عليه تقديمها لاسترضاء حلفائه المتشددين المتبقين أو الاعتماد على المعارضة لتأمين استمراريته السياسية للأشهر المقبلة وتجنب المساءلة.

فاستقالة بن غفير ضيّقت الخيارات السياسية أمام نتنياهو، ما جعل سموتريتش اللاعب الرئيسي في الكتلة اليمينية المتطرفة، وتالياً فإن احتلال مناطق جديدة في سورية، وتسريع التوسّع الاستيطاني في الضفة، وزيادة الميزانيات المخصصة للبنى الأساسية للمستوطنين، وتسريع التدابير القانونية المثيرة للجدل التي تتماشى مع مطالب اليمين المتطرف... وقائع من شأنها تأمين استمرار دعم سموتريتش ومنْع انهيار الحكومة.

غير أن إستراتيجية نتنياهو ليست خالية من المخاطر. فمن خلال إعطاء الأولوية لمطالب حلفائه من اليمين المتطرف، فإنه يخاطر بمزيد من تنفير الناخبين المعتدلين وتفاقم التوترات مع المجتمع الدولي، خصوصاً مع قرار المحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق معه بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة والضفة.

«حق توراتي»!

وأظهرت الإدارة الجديدة بقيادة دونالد ترامب، ميلاً ضئيلاً لتحدّي تصرفات نتنياهو في الضفة. وتشمل الدائرة الداخلية للرئيس الأميركي، شخصيات مثل السفيرة المرشحة للأمم المتحدة إليز ستيفانيك، التي تدعم علناً فكرة أن إسرائيل لديها «حق توراتي» في الضفة بأكملها.

وعلاوة على ذلك، فقد أشار المرشح لمنصب السفير الأميركي لدى إسرائيل مايك هاكابي، إلى أن الإدارة قد تدعم ضم الضفة.

كما أكد وزير الخارجية ماركو روبيو، التزام الإدارة بإسرائيل. وخلال محادثة حديثة مع نتنياهو، ناقش روبيو قضايا رئيسية، بما في ذلك الموقف من إيران وحالة الرهائن في غزة، مؤكداً استمرار الدعم لتل أبيب وتجاهل الهجوم على جنين.

إن سياسات ترامب تمثل استمراراً لرئاسته السابقة، والتي اعترف خلالها بالقدس عاصمة لإسرائيل، وبالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان المحتلة، وأطلق ما يعرف بـ «صفقة القرن»، التي همّشت الدولة الفلسطينية لمصلحة الحوافز الاقتصادية. وقد شجّعت هذه التحركات المتشدّدين الإسرائيليين، وأرست الأساس للتصعيد الحالي في الضفة.

اتفاق غزة

ورغم تسهيل وقف النار في غزة، فإن ترامب ومبعوثه إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، لديهما شكوك، حول متانته.

فتعليقات ترامب بأن «تحقيق وقف إطلاق النار شيء، والحفاظ عليه شيء آخر» تعكس إدراكه للتحديات في الحفاظ على الهدنة الهشة.

وكرّر ويتكوف هذه الاستنتاجات، واصفاً الاتفاق بأنه خطوة إيجابية ولكنه حذّر من عقبات كبيرة أمام طول عمره.

وليس بعيداً عن غزة، أصبحت الضفة مركزاً لسياسات نتنياهو المتشدّدة، إذ تصاعدت العمليات العسكرية وهدْم المنازل وتوسيع المستوطنات في الأسابيع الأخيرة. وتم تهجير العائلات في شكل جَماعي، واستمرت التوترات في الارتفاع.

واللافت ان دفْع سموتريتش نحو المزيد من ضم الأراضي، باعتباره تحقيقاً لمصير إسرائيل التوراتي، يتماهى مع موقف حزب الليكود الراسخ ويتمتّع بدعم أيديولوجي من شخصيات في إدارة ترامب، ما يجعل من غير المرجح أن تتدخل الولايات المتحدة لكبح جماح تصرفات نتنياهو.

ويسلط نهج نتنياهو تجاه الضفة الضوءَ على إحجامه عن السعي إلى السلام والمساءلة. ومن خلال إعطائه الأولوية للبقاء السياسي والتحالفات اليمينية المتطرفة، فإنه وَضَعَ جهود المصالحة جانباً وبدعْمٍ من الإدارة الأميركية المتحالفة ايديولوجياً مع المتشددين في إسرائيل، وتالياً فإن رئيس الوزراء يواجه القليل من الضغوط لتهدئة التوترات أو معالجة المَظالم الفلسطينية، وهو لن يستسلم لتظلّ احتمالاتُ التوصل إلى حل عادل للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني بعيدة المنال، ومن هنا فإن من المرجح أن تشهد الضفة استمرار العدوان العسكري.