أسوار الكويت وسور الصين... أيهما عظيم؟

28 ديسمبر 2024 10:00 م

لا شكّ من أن سور الصين، الذي شيد قبل أكثر من ألفي عام، عظيم في بنائه وسحيق في تاريخه وتحفة في هندسته المعمارية وشاهق في طوله حيث بلغ أكثر من 21 ألف كيلو متر، وقد اخترق الجبال والأنهار والوديان والصحاري القفار؛ لكنه لم يحقق الهدف الأساسي الذي بُني من أجله وهو حماية الإمبراطوريات الصينية من الغزاة والمحتلين!

لقد استطاعت السلالات الإمبراطورية المتعاقبة في الصين تشييد أعظم سور في العالم مبني من الصخور الصلبة وبارتفاعات شاهقة، لكنه لم يحمِها من الغزاة الذين كانوا يجدون طريقهم لاختراق السور من خلال تقديم الرشاوى للحراس لكي يدخلوا عبر البوابات ثم يعيثوا في المدن فساداً، وإسقاط تلك الإمبراطوريات بعد غزوها.

في المقابل، استطاعت أسوار الكويت أن تحمي شعبها ونظامها من الغزاة والطامعين منذ نشأتها قبل أكثر من أربعة قرون على الرغم من أن الأسوار الثلاثة كانت مبنية من طين وحجر بحر هش، وبطول يقارب 7 كيلومترات.

أسوار الكويت الثلاثة لم تبن الإنسان الكويتي، ولكن هذا الإنسان هو الذي بناها، وهنا يكمن السر.

لقد بنى الكويتَ إنسان متسامح منفتح ومثابر مغامر لديه ثقة بنفسه وبمجتمعه ونظامه.

هذا الإنسان هو الذي استطاع أن يبني سوراً ليمكث ويتمسك بأرضه ويدافع عنها ولم يقبل بالمساومة على ولائه، هو ذاته الإنسان الذي انفتح على العالم المحيط به والبعيد كي ينوع من ثقافته ويزدهر. على الرغم من هدم أو اندثار معظم تلك الأسوار في ما عدا بواباتها، إلا أن الإنسان الكويتي قد حمل تراث تلك الأسوار الثلاثة فبقيت في وجدانه لتورث له منظومة قيم سياسية واجتماعية قد تآلفت في شكل صناعة وطن متميز بإنسانيّته وعطاءاته.

لذا، عندما حاول الطامعون بالكويت على مدى القرون الأربعة شق طريقهم لغزو الكويت لم يجدوا في سبيلهم خائناً واحداً يمكنهم من ذلك، ولقد تجسد ذلك ناصعاً في ألوان ملحمة التصدي للغزو الغاشم، حتى أبهر العالم وشعوبه بهذا الولاء والعطاء.

الصين بعد دروس الماضي قد تعلّمت فولجت في بناء ثقافة إنسان جديد يثق بنفسه وقدراته، فاستطاعت أن ترتقي إلى صفوف الدول العظمى أو الأعظم في الوقت الراهن. لم ترتق الصين إلى هذه المرتبة الدولية بسبب سورها العظيم بل من خلال بناء إنسان عظيم يعشق التحدي ويصنع المستقبل بيده.

علينا أن نتذكر دائماً، بأن عظمة الكويت تكمن في إنسانها ونظامها وتاريخ نضالها وتراثها المتسامح والمتعايش مع التعددية استناداً إلى حكمة عظيمة نطق بها الخالق عز وجل حينما قال: «يأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوٓاْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ».

فالأكرم عند الله هو الأتقى، والأتقى هو الأعدل استناداً لقوله تعالى: «ولا يجرمنّكم شنآنُ قومٍ على ألّا تعدلوا اعدلوا هو أقربُ للتقوى».

إذاً، فالعدالة هي التي تؤسس الإنسان والمجتمع القويم، وهذا ما يميز الكويت... عدالتها التي تأسست عليها ثقافة وحكمة أسوارها العظيمة.