أثارت عملية اغتيال القيادي الحمساوي محمود المبحوح في دبي جدلاً حول تعاظم دور الموساد ووصوله إلى قلب الدول العربية لتنفيذ مؤامراته، والحقيقة أنه رغم تنفيذ الموساد للعملية وغيرها من العمليات القذرة، إلا أن التضخيم في قوته مخطط مقصود تدفع به منابر إعلامية عمداً، وعلى سبيل المثال إذا كان الموساد نجح في حرب 67، فإن المخابرات المصرية نجحت نجاحاً منقطع النظير في حرب أكتوبر 73، وقبلها في تنفيذ عمليات عديدة من بينها حرب الاستنزاف.
«حركة المقاومة الإسلامية - حماس» تأسست منذ 22 عاماً فقط، وهي حركة مقاومة تجاهد وتدعو وتقوم بنشاط اجتماعي وسياسي واقتصادي تنوء عنه إمكانات أعظم الدول، وفي ظل قدرات بسيطة، والأعداء حولها، ولا معين ولا ناصر لها إلا الله.
أما الموساد فقد تأسس منذ نحو ستين عاماً ويقوم بدور أمني واستخباراتي، ويملك إمكانات هائلة بلا حدود مالية، وتقنية ودعما لوجستيا دوليا، ومع ذلك وبالنظر إلى ما حققته «حماس» في ضوء إمكاناتها أمام الموساد نجد أنها تفوقت تفوقاً كبيراً جداً لا تقلل منه بعض عمليات للموساد، فقد نجحت «حماس» في تحقيق مئات العمليات الناجحة داخل كيان الاحتلال الصهيوني وزلزلت أركانه وقهرت أسطورة الموساد.
والموساد اختصار لكلمة «ها موساد لي تيوم» وتعني مؤسسة الاستخبارات والمهمات الخاصة. وقد حاول جوردن توماس وهو أحد الكتب اليهود تضخيم دور الموساد بصورة مبالغ فيها وذلك في كتابه المعنون «جواسيس جدعون- التاريخ السري للموساد». وحتى نلقي الضوء على هذا الجسم الشيطاني كما جاء في كتاب جدعون ينبغي أن نعرف أنه ينقسم إلى أقسام عدة:
- قسم الدراسات والأبحاث.
- قسم جمع المعلومات: المسؤول عن عمليات تجميع المعلومات الاستخباراتية في الخارج.
- قسم العمل والارتباط السياسي.
- قسم الحرب النفسية والإعلامية.
- قسم التكنولوجيا: خاص بإنتاج أدوات وبرامج تفيد الموساد.
لكن أخطر هذه الأقسام هو قسم الاغتيالات، ومن اللافت أن اسمه كيدون وهي كلمة عبرية تعني الحرية. أي حرية؟ ربما يقصدون حرية الشيطان في الفساد في الأرض! وما يثير الدهشة أن هذا القسم في العام 1998 كان يضم 48 عضواً يتدربون على تنفيذ العمليات القذرة من مهارات استخدام الأسلحة إلى كيفية إخفاء قنابل، أو نشر دواء قاتل بين الناس، وجعل الموت الناتج عن الاغتيال يبدو عرضياً، وتتشكل من تلك المجموعة فرق اغتيالات تسافر للخارج فيما يسمى رحلات تآلف مع المواقع مثل لندن، وباريس، وفرانكفورت، ونيويورك، ولوس أنجليس، وأخيراً دبي. كما أنها تدرس باستمرار الأماكن والشوارع التي يمكن في أي لحظة أن تكون مسرحاً للعمليات، كما حدث وشاهدنا في عملية اغتيال محمود المبحوح، نسأل الله أن يتقبله شهيداً.
ويسمى عملاء الموساد الميدانيين «الكاستا»، أما المعاونون اليهود المتطوعون فيسمون «السيانيم»، وهم منتشرون في جميع دول العالم ويوجد تعاون قوي مع الكثير من الدول الغربية.
والموساد ورغم ما يشاع عن قوته الظاهرية إلا أنه جهاز فاسد وضعيف، فقد اقترب عدد قتلى الموساد من 600 بين جاسوس وعميل «كاستا»، هذا بخلاف الذين سقطوا وحكم عليهم بالسجن أو تعرضوا للطرد بعد مشكلة سياسية، وبخلاف الذين قام الموساد نفسه بتصفيتهم في الداخل لخلافات كثيرة. أما الفساد فأبرزه ما حدث العام 1997 عندما اكتشف الموساد أن أحد ضباطه البارزين ويدعى يهودا جل كان يلفق، على مدار عشرين عاماً، تقارير سرية للغاية عن عميل غير موجود في دمشق. وقد سرق جل مبالغ كبيرة من الموساد لتدفع لذلك الرجل الوهمي.
والشاهد مما تقدم أن فضائح الموساد عديدة وقد حاول أن يخفيها بعدما اصطادت كاميرات دبي عملاءه وفضحتهم أمام العالم، ورداً على ذلك قام الموساد بنشر قصة مصعب ابن القيادي الحمساوي حسن يوسف، ونشر أخباراً عن تعاونه مع الموساد ليغطي على انكشاف جريمته في دبي بحملة إعلامية موازية. وخيراً فعل المجاهد حسن يوسف، عندما تبرأ هو وأسرته من ابنه وفعلته، وهو رد بليغ من أسير لا يملك إلا إيمانه بعقيدته وقضيته ومع ذلك غطى إعلامياً على حملة الموساد، وفي ذلك دلالة على أن الإمكانات البسيطة تستطيع أن تقف أمام قوى الظلم مادامت مؤمنة بعدالة قضيتها وحقها.
ويبقى أن استخدام الجوازات المزورة هو قاعدة أصيلة عند الموساد معمول بها منذ زمن، وأن مخابرات غربية كثيرة تتعاون وتتفاهم معها على ذلك، وأن تحرك بعض الدول تجاه تلك القضية جاء فقط لتفادي الإحراج الإعلامي أمام شعوبها وأمام العالم، ولتقديم تبرير لـ «حماس» والفلسطينيين خشية تعرضهم لعمل غاضب.
وأخيراً فإن اغتيال المبحوح وغيره من قافلة الشهداء هو شهادة نجاح لـ «حماس» أنها رغم كل ماتعرضت له من قتل، وتصفية، وتشريد، وتحجيم، وحصار، وضغوط إلا أنها لاتزال الرقم واحد في القضية الفلسطينية، والرقم الصعب جداً الذي فشل الأعداء والخونة في إزالته أو زحزحته فلجأوا إلى المؤامرات والاغتيالات.
ممدوح إسماعيل
محام وكاتب
[email protected]