قال الله تعالى: «هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا» هود (61).
إنّ الله تعالى خلقنا لعمارة الكون، ولن تكون العمارة إلّا بجعل المسؤولية هي الأساس والمعيار، لتنمية الحياة الإنسانية، بشكل منسجم مع بقية الكائنات التي سخّرها الله تعالى لنا.
إنّ مجاهدة النفس، والانضباط الذاتي، والتصرف وفق آداب الشرع ومقتضيات الحكمة والمصلحة الرشيدة، تجعلنا نتحلّى بالمسؤولية. لأن الإنسان كائن مسؤول، فهو في كل تصرف من تصرفاته مطالب بأن يراعي شيئاً ما، ويحذّر من العواقب المترتبة على عدم المراعاة، حتى الأنشطة الفردية فإنها لا تخلو من معنى المراعاة، مراعاة آداب استخدام الحواس والأعضاء التي وهبنا الله إياها: العقل والسمع والبصر واليد والرجل... والأحكام المتعلقة بذلك.
المسؤولية قبل كل شيء هي استعداد فطري، إنها تلك المقدرة على أن يُلزم الإنسان نفسه أولاً، وأن يكون قادراً على أن يفي بعد ذلك بالتزامه بوساطة جهوده الخاصة.
إنّ كل شخص يشعر بأنه مسؤول عن شيء ما، كما يشعر أن غيره من الناس مسؤول عن شيء من تصرفاته، وهذا يعني أن الإنسان كائن مسؤول في مجالات وعلى مستويات عديدة، وشعوره بالمسؤولية يحفزه على القيام بكثير من الأنشطة حتى وإن كانت شاقة، لأننا بني البشر بيننا مواثيق أخلاقية عميقة، تجعلنا نثني على تصرفات بعضنا البعض، أو نلوم ونعاقب بعضنا على بعض التصرفات غير اللائقة، وهذا يعزّز الشعور بالمسؤولية لدينا جميعاً.
إنّ المسلم بالدرجة الأولى يشعر بأنه مسؤول عن أعماله أمام الله تعالى، لأنه سبحانه يعلم السر والعلن، والإنسان الذي يملك الحاسة الأخلاقية، يشعر بالمسؤولية أمام ضميره وأمام مجتمعه وأسرته.
إنّ شعور الإنسان بالمسؤولية يتعاظم كلما تحضّر وتثقّف، وتعلّم أكثر، وذلك لأن اتساع دائرة الوعي لدى أي إنسان تجعل مسؤوليته عن الحفاظ على أسباب الاستقرار والرفاهية والتقدم أوسع وأشمل، كما أن وعيه بالمخاطر يصبح أيضاً أفضل، وهذا يعني أن الجهل والتخلف والعزلة توهن وتضعف الشعور بالمسؤولية والرقابة الذاتية تجاه نفسك وأسرتك ومجتمعك، ونماذج الذين لا يمتلكون أدنى حس بالمسؤولية كثيرة من حولنا، نراها بالمنزل وبالمؤسسات التعليمية والعملية، وحتى في الشارع، ولهذا فإنّ الإيمان العميق بالله عزوجل والوعي الحضاري المتفتح يجعلان المسلم يبدو وكأنه مسؤول عن صلاح العالم بأسره.
mona_alwohaib@