ندوة «العربي» تدافع عن الثقافة العربية في ظل وسائل الاتصال الحديثة

أحمد العبدالله: كأمة عربية نعيش في مأزق حضاري يهدد وجودنا

1 يناير 1970 04:58 م
|كتب مدحت علام|

بدت ندوة «العربي»، في نسختها الجديدة، ذات خصوصية مميزة، من خلال عنوانها الذي يشير إلى الثقافة العربية في ظل وسائط الاتصال الحديثة، وكذلك في ما تضمنته من جلسات تعالج الكثير من المفاهيم والرؤى المتعلقة بالتقنيات الحديثة او من خلال الضيوف الذين حضروا هذه التظاهرة الثقافية المهمة التي تقام على ارض الكويت.

وفي احدى قاعات فندق «كراون بلازا» اقيمت مراسم الافتتاح الذي حضره وزير الاعلام وزير النفط الشيخ احمد العبدالله نيابة عن سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد، وذلك مساء اول من أمس.

والقى الشيخ أحمد العبدالله في الحفل كلمة قال فيها: ان مجلة العربي التي تعتز دولة الكويت باصدارها، والتي اغنت الثقافة العربية على مدى اكثر من نصف قرن، قد اصبحت منذ ثماني سنوات مضت تقوم بدور مزدوج، فهي تفتح صفحاتها طوال العام لتنشر ابداعات العقل العربي دون تفرقة او انحياز، ثم تقوم لمرة كل عام بجمع نخبة مختارة من الكتاب والاعلاميين العرب كي يحلوا ضيوفا كراما على أرض الكويت الكريمة، ليناقشوا قضايا ثقافتنا المعاصرة».

وأضاف: «نحن حريصون على وجود هذا الجمع الكريم في بلادنا، ليتسنى لهم ان يتعرفوا عن قرب على ملامح تجربة الكويت المتطورة في الحكم الرشيد، فهي تجربة ديموقراطية تحافظ على خصوصيتها العربية والاسلامية، وتنفتح في الوقت ذاته على التيارات السياسية المعاصرة، ويستقي منها ما يناسبها، وهو الامر نفسه في تعامل المجتمع الكويتي مع وسائل الاتصال الحديثة، وهو الموضوع الذي تطرحه ندوتكم للنقاش».

وأوضح أن الكويت مجتمع له قيمه العريقة المستمدة من الدين والعرف، ولكنه لا يتأخر عن الانفتاح على كل ما في العالم من تجارب ومبتكرات معاصرة، لذلك فمن الاهمية بمكان ان نناقش جميعا الكيفية التي يستقبل بها هذا المجتمع، هو وبقية المجتمعات العربية، كل ما تهبه التكنولوجيا المعاصرة من معارف ومعلومات حديثة، تساعده على تفهم العصر الذي نعيش فيه ويمضي في ركابه، ان جزءا مهما من دستور البلاد والديموقراطية التي تمارسها هو تبني الاعلام الحر، الذي تؤمن به الكويت، وتعرف قيمة دوره البناء في رقي المجتمع، وقد عززت تجربتنا الديموقراطية دورنا الاعلامي والثقافي في محيطنا العربي ورسخت علاقاتنا الدولية، وهي التجربة التي تمضي بوعي وفهم وقناعات تاريخية، لقد جاء دستورنا ليثبت قواعد للحكم، وهي القواعد التي قامت عليها العلاقة بين السلطة والشعب منذ مئات السنين، علاقة اعتمدت على الشورى الحكيمة والتعاون الخلاق، ما سجل لبلدنا تاريخه الطويل كوسيط فعال على درب التجارة ونهج الفكر ومسار العلاقات السياسية.

وقال: «مما لا يخفي عليكم اننا كأمة عربية نعيش في مأزق حضاري يهدد وجودنا وكياننا القومي، فنحن مشتتون ومشغولون بصراعاتنا الداخلية دون ان ندري اننا تخلفنا كثيرا عن ركب الحضارة والتقدم، نعيش وسط خضم عصر المعلومات، ونحن لسنا من صناعه ولا من المشاركين فيه، بل ولسنا من مستخدميه، بل اننا حسب احصاءات المنظمات الدولية من اكثر الدول جوعا للمعلومات، واذا لم نأخذ بتكنولوجيا المعلومات فسوف نمضي في هذا القرن ونحن اقل اهمية عما كنا من قبل، فعدتنا المعرفية والمعلوماتية ضئيلة ولا تليق بأمة لها هذا التاريخ الطويل، وبدلا من ان تمثل لنا وسائط الاتصالات الحديثة فرصة للمعرفة والتقدم، اصبحت تحمل لنا تهديدا بالغزو الثقافي وتهميش ثقافتنا وهوياتنا القومية».

مؤكدا ان «الحل هو التنمية، تنمية الانسان اولا، مع تنمية الموارد اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ايضا .

واوضح انه لابد ان نساهم جميعا في وضع منظور عربي لتحديد احتياجاتنا من موارد المعلومات، والسعي إلى اقامة البنى الاساسية لمجتمع المعلومات.

وقال: «من هنا تكمن اهمية الموضوع الذي تطرحه ندوتكم، اننا في حاجة لان يقوم مثقفونا بالتصدي للروح السلبية واذكاء التفكير العلمي واحياء التكامل العربي الذي لا بديل عنه من اجل دخول عصر المعلومات، في حاجة اليهم من اجل التصدي لحملات الغزو الثقافي والاستشراق الجديد التي سترد الينا عبر هذه الوسائط الحديثة، وان يهيئوا الثقافة العربية لتكون لها مكانة دائمة وفعالة عبر هذه الوسائط دفاعا عن حضارتنا وهويتنا القومية.

وفي كلمته اوضح رئيس تحرير مجلة «العربي» الدكتور سليمان العسكري ان اهمية هذه الندوة تنبع حين تجتمع نخبة من العقول العربية المبدعة تناقش وتقيم حصاد تفاعل هذين الجانبين، الثقافة العربية في ناحية، والوسائط الحديثة في ناحية اخرى. عقول تستشرف برؤى متعمقة ومتنوعة آفاق هذا التفاعل في ظل التحديات الخطيرة والملحة التي تواجه العالم.وقال: «من المؤكد ان الحوارات المثمرة التي ستشهدها جلساتها ستنطوي على اهمية خاصة وقيم رفيعة، لاتصالها من ناحية بأهم عناصر وحدة هذه الامة، ونعني به عنصر الفكر والثقافة، كما ستمثل من ناحية اخرى اضافة وتعميقا للانجاز الفكري في ساحتنا العربية، واغناء لمسيرة الفكر العربي نحو الابداع والتجدد. ومن الملامح الجديدة التي ستجد صداها لدى حضور جلسات ندوتنا ان مشاركة الشباب اصبحت امرا ملحا لان لهم اليد الطولى في تطويع هذه التقنيات الجديدة، سواء في الانتاج الادبي، او الترويج الاعلامي، وهو ملمح يؤكد ان المستقبل يطرق الباب بطرق غير تقليدية، وان (العربي) التي فتحت صفحات مجلتها لاقلام الشباب، تتيح منصتها لافكارهم، ومن الملامح الجديدة ايضا التي تحدد ندوتنا لهذا العام انها تتعامل مع مفردات دخلت إلى قاموسنا الادبي، وهي ابنة العالم الرقمي، وليس ادل على ذلك من تخصيصنا بعض جلسات ندوة هذا العام للمدونات، عالمها وحدودها، رقابتها وابداعها، بعد ان اصبحت خارج الحدود الجغرافية المتعارف عليها».

واستطرد قائلا: «لابد ان نواجه انفسنا بشكل نقدي صريح، يناقش الذات في لحظتها الراهنة، ويستبصر الجهد في اطار رؤى مستقبلية، ولابد ان نشجع على الاشتغال على تلك الوسائط الحديثة وتعزيز حضورها في نشاطنا البحثي والتعليمي والعلمي والثقافي والا نندب تخلفا نعيشه او نستمرئ خطرا يحيق بنا، او غيابا يحيط بنا، علينا ان ننتقل من مرحلة استهلاك ادوات الغرب إلى مراحل استلهام نهضته».

وأكد العسكري ان «الثقافة، هي اللغة، وهي الهوية، كما انها التاريخ والقائد. انها الحياة، ولكي تظل تنبض فإن مدداً جديداً من الافكار يجب ان يتدفق كنهر لا ينضب، يربط ماضينا بمستقبلنا، لا لكي يشدنا إلى الوراء، بل لكي نمضي للامام دون ان نفقد جذورنا، ودون ان نتشظى وسط هذا الفضاء اللانهائي. لقد اصبحت الحاجة ملحة لكي يخرج حوارنا من دوائره النخبوية المغلقة إلى مداراته الشعبية المنفتحة التي يستهدف اوسع قطاعات المجتمع. وعلى المثقف ان يعي دوره، لكي لا يكتفي بالنقد، بل عليه ان يشارك بالفعل. فنحن لن نواجه العصر الا بلغة العصر، ولن نقدر على المستقبل الا إذا انفتحنا عليه، نستبصر جديده من موقع المشارك الفعال، وليس موقع المتلقي المهمش».

وقال: «عرف الكثير من ابناء العرب الكويت ثقافيا قبل ان يعرفوها سياسيا. بل ان الكويت قدمت اوراق اعتمادها إلى امتها العربية ثقافيا قبل ان تقدمها سياسيا. والواقع ان هذا كله يوضح ان الدور الثقافي العربي الذي تميزت به الكويت لم يأت مصادفة، ولا جاء لمكسب اعلامي او سياسي، بل جاء نتيجة لظروف موضوعية، تاريخية وفكرية واجتماعية، الامر الذي يثبت ايضا ومن جديد ان الكويت ستبقى عربية، وستبقى قضاياها جزءا لا يتجزأ من القضايا العربية، وان الثقافة هي حصننا الباقي، ورهاننا من اجل الحلم في مستقبل افضل لنا جميعا».

والقى الباحث السيد ياسين كلمة الضيوف اوضح فيها انه كي نفهم منطق الابحاث التي تقدم في الندوة لابد من رسم خريطة معرفية للتحولات العالمية وتحليلها ثقافيا في المجتمع العربي.

ثم تحدث ياسين عن الطريقة التي يمكن من خلالها الانتقال من مجتمع صناعي إلى آخر معلوماتي، مؤكدا ان المجتمع المعلوماتي هو عبارة عن نموذج حضاري متكامل وانه ليس هناك مجتمع معلوماتي غير ديموقراطي، في العالم، كما نوّه إلى ازمة المعلوماتية عند العرب، وان المجتمع العربي يمر بأزمة تعبر عنها تشتت الافكار، وقال: «نحن نعيش الآن في عصر حوار الثقافات وليس صراع الحضارات».