كشف الحرس الثوري الإيراني، تفاصيل أولية لعملية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية في طهران، فجر الأربعاء.
ومما لا شك فيه، أن هناك عوامل غير واضحة بعد لم تكشفها طهران حول ملابسات الحادث، وأن اختراقاً حصل حول مكان إقامة هنية وبالتحديد الطابق وغرفة النوم التي مكث فيها بعد دخوله بدقائق إلى الشقة التي قُدمت له للإقامة.
إلا أن الهدف لم يكن شخصيةً أمنيةً وكذلك لم تكن تحركاته سرية، بل كانت علنية في ظل اعتقادٍ ساد بأن إسرائيل لن تخرق المحرّمات وأن الحساب في ما يتعلق بقصفها للقنصلية الإيرانية في دمشق وردّ طهران عليها، قد أغلق الملف.
إلا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اختار كسر الخطوط الحمر والذهاب نحو الردود العسكرية المتبادَلة.
وليس مستغرباً أن تتمكن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إي) وجهاز «الموساد» من اختراق الأمن الإيراني لأسباب عدة تنطوي على مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية.
ومما لا لبس فيه أن إسرائيل لم تنفِ ولم تؤكد، مسؤوليتها عن عملية الاغتيال، بل تحّدثت عن استعداد للرد على ما سيأتي من إيران من دون أن تعترض على السبب، ما يعزز الإشارة باصبع الاتهام إليها، خصوصاً بعدما تصرف نتنياهو وكأنه يلعب دور جيمس بوند، العميل الجاسوس البريطاني الذي ينفذ عمليات في دول أخرى من دون محاسبة ويخرج ناجحاً ومنتصراً، وكأن عمليات الاغتيال ونتائجها مجرّد لعبة حرب يمارسها.
في إيران، ثغر عدة تدخل منها أنظمة الاستخبارات العالمية لتنفيذ عمليات، حيث توفر حركات انفصالية على خلاف تاريخي مع الحكومة المركزية، أرضاً خصبة للتجنيد من خلال استغلال استياء هذه الجماعات لجمْع المعلومات وتسهيل العمليات الاستخبارية وتسلُّل العملاء وجمْع الدعم المحلي وتوفير أماكن آمنة لهم.
إضافة إلى ذلك، فإن المعارضة في الخارج، تشكل مورداً قيّماً لوكالات الاستخبارات.
كما أنه يجب عدم التغاضي عن أن العقوبات الاقتصادية المفروضة منذ العام 1980 وتشتدّ مع قدوم كل رئيس أميركي، أدت إلى إضعاف الاقتصاد الإيراني، وتالياً إلى انتشار السخط بين عدد من السكان.
وهذا من الممكن أن يُفضي إلى تقويض الأمن الوطني وتسهيل مهمة وكالات الاستخبارات الأجنبية في العثور على متعاونين والإفادة من حركات المعارضة التي تقدّم معلوماتٍ مهمةً وتسهّل عمليات التخريب.
ولا يمكن التغاضي عن الهجمات السيبرانية والإلكترونية المتطوّرة التي تقوم بها الدول المعادية لإيران. فقد استُخدم فيروس «ستوكنت» لاختراق البيئة التحتية وتعطيلها بعمل مشترك بين «سي آي إي» و«الموساد». وأثبت استهداف العلماء النوويين الإيرانيين على مر السنوات النطاق العملياتي وقدرة هذه الاستخبارات على تنفيذ عمليات واغتيالات رفيعة المستوى في الداخل.
في خضم كل هذا، عندما تقع عملية لشخصية مهمة ولضيف على إيران داخل طهران، فإن ذلك مردّه لفشل الاستخبارات البشرية وعدم القدرة على منْع عملية ضد دولة مستقلّة ذات سيادة.
ومن الممكن أن تكون الاستخبارات التي شاركت في العملية، وجدت ثغرة في المراقبة بسبب التدابير الأمنية غير الكافية وعدم النظر إلى التفاصيل الوقائية الدقيقة لضعف الأمن في المحيط ما أوجد فرصة للقتل ولعملية غير متوقَّعة.
وهذا لا ينطبق فقط على إيران: فقد فشل جهاز الأمن السري في حماية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من خلال ثغرةٍ على بُعد 150 متراً فقط من منصته، بينما كانت الثغرة في المبنى الذي يقيم فيه هنية ضمن أقل من بضعة كيلومترات قليلة في منطقة ترابية غير مأهولة مقابلة للمبنى المخصص للضيوف الفلسطينيين، حيث انطلقت منها القذيفة الليزرية إلى داخل الشقة المؤلّفة من ثلاث غرف نوم وصالونين في الطابق الثالث من عمارة مؤلفة من أربعة طوابق.
والسؤال: كيف عَلِمَتْ الاستخبارات الإسرائيلية بمكان غرفة نوم هنية بعد دخوله إليها؟ وهل هو اتصالٌ قام به قبل أو بعد دخوله إلى المبنى؟
من الممكن أن يكون الصاروخ الليزري قد انطلق مَحمولاً من مسيَّرة أو من عمل بشري انتظر عن بُعد وأتاه الخبر بمكان رئيس المكتب السياسي بالتحديد في المبنى الذي استُخدم في الماضي لضيافة الشخصيات المهمة. وهذا يؤكد وجود خروقٍ أمنية لا تقتصر فقط على تقنيات أمنية بل تشمل أيضاً أفراد أمن مخترقين ويمكن لهم تجاوز التدابير بسبب الثقة المفرطة التي تصبح عليها قوات الأمن الراضية عن نفسها وعملها فتقلّل من مستوى التهديد ما يؤدي إلى تدابير أمنية متراخية.
لكن هناك نقاطاً أخرى يجب أخذها في الاعتبار. فهنية لم يكن شخصية أمنية، بل شخصية علنية واضحة الحركة.
وثمة عدد هائل من الأقمار الاصطناعية بمهمات محددة فوق إيران ويمكنها بسهولة أن ترى تحرك موكبه بأدنى التفاصيل.
إضافة إلى ذلك، فقد أرسل هنية رسائل إلى أفراد عائلته، وهذا ما دأب عليه منذ زمن، بحسب ما أظهرته مواقع التواصل الاجتماعي من رسائل صوتية له.
وتالياً، فإن أحد أشهر أدوات التجسس المرتبطة بإسرائيل هو برنامج Pegasus، الذي طوّرته شركة NSO Group العبرية. وقد تم الإبلاغ على نطاق واسع عن استخدام Pegasus للتجسس عبر اختراق الهواتف المحمولة، بما في ذلك «واتساب».
ويمكن تثبيت البرنامج على هاتف «الهدف» من دون علمه بما يمكّن من الوصول إلى جميع البيانات الموجودة على الهاتف بما في ذلك الرسائل والمكالمات والبريد الإلكتروني وبيانات الموقع، وحتى تنشيط الميكروفون والكاميرا.
ويُعرف برنامج التجسس باستغلال «ثغرات اليوم صفر»، وهي عيوب غير معروفة سابقاً في البرامج يمكن استخدامها للحصول على وصولٍ غير مصرَّح به.
وتعمل الأجهزة الأمنية الإيرانية على كشف كل تفاصيل عملية الاغتيال من أجل حماية أمنها بالدرجة الأولى.
أما بالدرجة الثانية فسيكلفها الدفاع عن ضيفها عملاً عسكرياً ستذهب إلى الحرب المتدحرجة من أجله مهما كلّفتها، وستضرب قلب إسرائيل في الأيام المقبلة القريبة حتى ولو ان اغتيال قائد سياسي لا يغيّر في قوة «حماس» شيئاً، وهي الحركة الفلسطينية المُقاوِمة التي تعوّدت أن يضحّي قادتها من أجل فلسطين منذ إنشائها... وتبقى الكلمة للميدان.