فيما بدأ مسؤولو بنكي «بوبيان» و«الخليج» دراسة الفرص الواسعة من خلق كيان مصرفي واحد، متوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، لمساهميهما وللاقتصاد، ينشغل صانعو سياسة البنوك الكويتية الأخرى والأفرع الأجنبية العاملة في السوق المحلي، بإعداد نماذج عمل غير تقليدية شبيهة بالتي يعدونها في اختبارات الضغط، على أن تحاكي التحديات المستجدة التي ستطرأ عليهم من نشاط حركة الاندماجات محلياً وآليات مواجهة ذلك تشغيلياً، وأبرزها فجوة الحجم.
فإذا كان للاندماجات معنى مزدوجاً بين الفرصة والخطر، يكون مسؤولو البنوك الصغيرة والمتوسطة مضطرين لبناء إستراتيجيات عمل استثنائية، تمكنهم من مناورة العمالقة الثلاثة وهم «الكيان الجديد» و«الوطني» و«بيتك»، أثناء التصويب المتوقع على حصصهم السوقية، مع الأخذ بالاعتبار أن هذا التحدي ينسحب أيضاً على البنكين الكبيرين الأخرين «بيتك» و«الوطني» فالجميع سينافس الجميع للمحافظة على النمو والحصص السوقية.
تشجيع الجميع
مصرفياً هناك من يزكي خطوة وجود كيان مصرفي رئيسي ثالث، على اعتبار أن قطاع متعدد الأقطاب سيكون مفيداً للجميع، (البنوك المنافسة والعملاء والاقتصاد)، مقارنة ببيئة عمل متجمدة بقطبين فقط، حيث ستتضاءل وقتها فرص الاحتكار، ما يعني أن البنوك الصغيرة ومتوسطة الحجم والكبيرة ستستفيد من وجود كيان مصرفي رئيسي ثالث، كونه سيشجعهم على تبني التوسع بتحركات متسارعة قائمة على الابتكار.
ولكي تظل الكيانات المصرفية قادرة على المنافسة المأمونة في بيئة اقتصادية دائمة التغير ومحدودة التشغيل نسبياً، خصوصاً إذا استمرت عجلة المشاريع التنموية على وتيرتها المتباطئة، يتعين على مسؤوليها أن يستمروا في الابتكار وتكييف نماذج أعمالهم، لمواجهة مخاطر المنافسة الوجودية التي ستفرض نفسها بالمرحلة المقبلة، ليس مع البنوك الصغيرة والمتوسطة فحسب؛ بل مع الكيانات الثلاثة الكبرى ذاتها التي ستعمل بشكل منفصل، ما يتوقع معه اشتعال المنافسة مصرفياً الفترة المقبلة بأدوات غير تقليدية، أخذاً بالاعتبار أن حجم البنك يمنحه قوة وتأثيراً كبيرين في السوق.
أحجام الأصول
ولعل ما يزيد وهج المنافسة محلياً، تمتع المصارف الثلاثة العملاقة بسمعة قوية تتعلق بالاستقرار والموثوقية، ما يساعدها في جذب العملاء والمستثمرين، والأمر نفسه ينطبق على جميع بنوك الكويت بدرجات متفاوتة باعتبارها مدعومة بقانون ضمان الودائع حكومياً، ما يبرز معه سؤال المرحلة: كيف ستزيد البنوك الصغيرة والمتوسطة قدرتها التنافسية لتعزيز إيراداتها التشغيلية في مواجهة الكيانات الثلاثة الكبرى؟
من حيث المبدأ، تتعين الإشارة إلى أنه في حال اندماج «بوبيان» و«الخليج» الذي يتوقع أن يشكّل أصولاً مشتركة بقيمة تقارب 16 مليار دينار ستكون هناك 3 كيانات مصرفية رئيسية، من أصل 8 بنوك، تتضمن بجواره بيت التمويل الكويتي «بيتك» الذي تجاوز حجم أصوله بعد الاندماج مع «الأهلي المتحد» 38 مليار دينار، وبنك الكويت الوطني الذي بلغ إجمالي أصوله بنهاية العام الماضي 37.66 مليار دينار، ما يعني أن أصول الكيانات الثلاثة تقارب 90 ملياراً.
وبالنظر إلى إجمالي موجودات القطاع المصرفي الذي يقارب 120 ملياراً تشكل أصول البنوك الثلاثة نحو 75 في المئة من إجمالي موجودات القطاع، ما يعني أن فارق الحجم الشاسع سيكون أحد العوامل الرئيسية التي ستحفز 5 بنوك صغيرة ومتوسطة للبحث عن حلول غير تقليدية للمنافسة، يمكن حصرها في التالي:
1 - معلوم عن البنوك الصغيرة والمتوسطة، أنها غالباً ما تركز على خدمة العملاء، وقد يكون لديها منتجات وخدمات أقل من التي تكبرها حجماً، حيث عادة تقدم خدمات أكثر تخصيصاً، لتكون أكثر استعداداً للعمل مع العملاء الذين لديهم مواقف مالية فريدة خصوصاً متوسطي الدخل ومحدوديه؛ سواء أفراد أو شركات.
2 - قد تضطر البنوك الصغيرة والمتوسطة أثناء ذلك لتقديم رسوم أقل وأسعار فائدة أفضل على الودائع من الكبيرة، وكذلك في الإقراض، وإن كان ذلك يقلل هامش ربحيتها لكنه يساعدها أقله في جذب عملاء جدد، أو المحافظة على قاعدة العملاء.
3 - من الخيارات التي قد تحظى باهتمام أوسع من مسؤولي البنوك الصغيرة والمتوسطة؛ النمو عبر التواجد بالأسواق الخارجية أو التوسع، أملاً في إيجاد فرصة إستراتيجية أوسع للنمو والتوسع بعيداً عن تحديات السوق المحلية وتعقيداته المرتقبة.
وبالطبع؛ سيواجه هذا التحرك تعقيدات المخاطر الجيوساسية والأوضاع المالية الصعبة التي تميز جميع الأسواق تقريباً، علماً أن هذا التحدي بات مشتركاً بين البنوك الكبرى والمتوسطة والصغيرة.
4 - بناء مخزونات وفيرة من رأس المال لتخفيف الصدمات، ما يتطلب زيادة رأس المال بما يسمح لها بالنمو عضوياً ومن ثم المنافسة المدعومة رأسمالياً، وبالتالي تفادي الحرب في جبهتي التهام البنوك الكبرى لحصصها، والعمل على تعويض تأثر إيراداتها بسبب البيئة التشغيلية الضعيفة أصلاً.
5 - اندماج «بوبيان» و«الخليج» سيقلل أعداد أفرع الكيانات المندمجة في المناطق السكنية، فبدلاً من واحد لكل منهما (حسب الوضع السائد حالياً) سيكون عليهما الإبقاء على فرع واحد، ما يزيد فرص حضور البنوك الصغيرة والمتوسطة في هذه المناطق التي تعد مراكز منافسة مهمة على العملاء الكويتيين وأيضاً يشكل هذا الانسحاب الاختياري فرصة دخول للبنوك غير المتواجدة في بعض المناطق.
6 - زيادة المنافسة من خلال تشجيع دخول لاعبين جدد إلى السوق. ويمكن القيام بذلك عن طريق الحد من الحواجز التنظيمية أمام الدخول وتقديم الدعم للداخلين الجدد.
7 - الإبقاء على نظام الكوتة الذي تعمل به الهيئات الحكومية في توزيع ودائعها بين البنوك المحلية، وكذلك المؤسسات المقترضة ما يضمن لحد كبير المحافظة على حصص البنوك الصغيرة والمتوسطة لدى الحكومة بالقوة نفسها تقريباً.
8 - تقليل التكلفة التشغيلية لأعلى حد ممكن، والتركيز على الابتكار الرقمي لاستقطاب شرائح العملاء كثيفة العدد.
9 - زيادة وتيرة التحالفات الخارجية مع الكيانات الإقليمية بما يضمن حصصاً تمويلية مناسبة خارج السوق المحلي.
10 - بالطبع سيكون انتشار نموذج الاندماج بين بقية البنوك أحد أدوات الدفاع والهجوم مستقبلاً.