من وحي الشارع / البشت الأحمر

1 يناير 1970 01:10 ص
| ثريا البقصمي | خلال دراستي لفن رسوم الكتب- أو الرسم الصحافي، درست مادة تاريخ الملابس والأزياء، وذلك لأنه عندما أضع رسماً لحكاية أحداثها جرت في زمن الرومان، يجب أن ألتزم بالجو التاريخي للحدث من ناحية الزي والديكور وكل ما يحيط بالشخصية، وذلك لأعطي مصداقية لعملي الفني، فلا يمكن رسم محارب يوناني يلبس غترة وعقالا مع بدلة بكرافته وبوت لرعاة البقر.

وهذا ما حدث بالضبط في المسلسلات الرمضانية البدوية، والتي استمدت أجواؤها من مقاهي السولدير في بيروت إلى مضارب الشانزلزيه في باريس. وهذه المسلسلات تعكس حياة قبائل بدوية بخمسة نجوم، ويظهر واضحاً جهل المخرج بكل ما هو بدوي، فهو لم ير وجوه البدويات المغسولة بشمس صحراوية وعيونهن مؤطرة بالكحل البكر، ولكن بدوياته ملطخات بالمساحيق والرموش الصناعية، والأي شادو، الذي يصرخ ويقول «أي أي» من الهمبكة والضحك على الذقون، وكل هذا بصوب والبدوي المحارب الشجاع وهو يرفل بالبشت الأحمر الدموي وكأنه زعيم الحزب الشيوعي البدوي، أما غترة الرأس الوردية فتذكرنا براقصي فرقة « كاركلا»، وكذلك بنطلونات الستريش، ولست أدري أين رأى المخرج بدو عرب بجدايل شقراء ثخينة تتدلى من تحت الغترة وكأنهم محاربو «الفايكنك».

أما ملابس البدويات في المسلسل فإنها مضحكة، فهي مطرزة ومزهرة وتلمع «بالترتر» والتنانير الواسعة تذكرنا بغجر أوروبا. حتى الطبيعة الصحراوية لعبوا بها وغيروا خلقتها، فلقد اختفت الصحراء لتحتل مكانها الجبال والأنهار والسهوب الخضراء، والمنظر أقرب لمضارب مونتانا في الألب السويسرية.

وهذا هو ليس «بالمسخ» التلفزيوني الوحيد، فهناك العديد من الأفلام التي تعكس جهل المخرج التام بالزمن الذي جرت فيه أحداث فلمه أو مسلسله، وكل ذلك لأنهم يتعاملون مع أي إنتاج فني بأنه « سوبر موديل « يجب أن تكون حلوة وتلمع وآخر «شياكة» حتى لو كان بطلهم عنترة بن شداد، ولبسوه بشتا أحمر ماركة « بني عبس».



[email protected]