لقد سمعتُ من أحد الأصدقاء بأنه وحسب معرفته ببعض المختصين في القانون الدستوري قد علم أن بعضهم يتجه إلى العزوف عن المشاركة في أي لجنة قد تشكل لتعديل الدستور لو تم تشكيل اللجنة وعرض عليهم المشاركة فيها.
وسؤالنا هنا لماذا يفترضون أن مراجعة بعض مواد الدستور أمر يستدعي الإعتذار عنه وافتراض أمور غير واردة، وأنهم حين يشاركون سيكونون بصّامين، هذه تعابير فاقدي الشجاعة، فالعالِم الحقيقي يجب أن يتحلّى بالقوة والشجاعة والمشاركة في إبداء الرأي في المسائل التي هي من اختصاصه.
برأيي أن مراجعة تعديل الدستور في بعض مواده في وقتنا الحالي من الضرورات الوطنية وليست مجرد وجاهة في عضوية لجنة. وأتعجب من قول بعضهم بهذا التبرير غير المقبول وهروبهم من المسؤولية العلمية والوطنية، وأن الدستور يجب ألا يمس كقدسية وهذا اعتقاد خاطئ تماماً، بل بالعكس فإنه من الدين والوطنية تحمّل المسؤولية والمشاركة الإيجابية والعمل على ما يحقق المزيد من الإصلاحات المطلوبة لتطوير البلاد، خصوصاً أن العمل بالدستور قد مضى عليه أكثر من 70 عاماً تغيرت وتبدلت فيها الأوضاع وأحوال البلاد والعباد.
إنّ هذا التبرير الواهي من البعض هو بمثابة هروب من المسؤولية الوطنية، فهؤلاء يخشون الناس أكثر من أي شيء والأولى أن يخشوا الله.
إنّ مراجعة مواد الدستور ليست بجريمة وطنية حتى يتخلّى أولئك عن ما لديهم من علم أو رأي حصيف والدستور ليس كتاباً مقدّساً، لكن يبدو أن مفهوم العلم عند بعض من هؤلاء الذين اكتسبوه مجرد ترف فكري ووجاهة اجتماعية يتباهون به إعلامياً.
يجب أن يقال لمن يردد مثل هذا التبرير من أولئك المختصين بأنه موقف غير شجاع في عدم المحافظة على العلم الذي اكتسبه والذي مكّنه الله فيه، فأين هم من الإمام الصادق أحمد بن حنبل، عندما وقف وحده حين اثيرت مسألة خلق القرآن فواجهه الجميع بمن فيهم أهل العلم الشرعي الذين آثروا الحياة الرغدة على إبداء الرأي العلمي الشرعي الذي مكنهم الله فيه.
إنّ الخشية في هذه الأحوال إذا عزف العالِم الأمين الوطني عن المشاركة بالرأي بأن يستفرد بالأمر العالِم غير الأمين ويتحقّق ما يُخشى منه، وهنا سوف نسمع كثرة التحلطم.
علينا أن نستذكر دور الفقيه الدستوري د.عثمان عبدالملك، رحمه الله، في علمه ومواقفه الشجاعة، كان لا يخشى لومة لائم في إبداء رأيه عندما يُطلب منه.
والله المستعان.