هل ينصف قانون العمل العُمّال حقاً؟

13 يونيو 2024 09:00 م

في ظل القانون رقم 6 لسنة 2010 بشأن العمل في القطاع الأهلي هناك مشهد متناقض... حيث تزدهر حقوق العمال تحت مظلته الواقية، لكن بين طياته تكمن بعض المواد التي تحتاج إلى إضاءة في ظل ما أظهره التطبيق العملي، مثل المادة 146 والمادة 144.

وبينما يؤكد النسيج القانوني حماية حقوق العمال، فإن التطبيق العملي لهذه المواد بالذات أظهر بعض الثغرات التي تقوض جوهر العدالة للعمال.

ونصت المادة (146) على أنه: «يجـب أن يسـبق الدعـوى طلـب يتقـدم بـه العامـل أو المسـتحقون عنـه إلـى إدارة العمـل المختصـة وتقـوم الإدارة باسـتدعاء طرفـي النـزاع أو مـَن يمثلهمـا، وإذا لـم توفـق الإدارة إلـى تسـوية النـزاع وديـاً تعيـّن عليهـا خـلال شـهر مـن تاريـخ تقـديم الطلـب إحالتـه إلـى المحكمـة الكليـة للفصـل فيـه وتكون الإحالة بمذكرة تتضمن ملخصاً للنزاع ودفوع الطرفين وملاحظات الإدارة».

ونرى مبدئياً أن هذه مادة مصممة لتوفير سُبل الإنصاف للعمال المتضررين، وعند الفحص الدقيق، فإن هذا البند الذي يبدو وقائياً يكشف متاهة العقبات التي تعوق العدالة بدلاً من تسهيلها.

وللوهلة الأولى، تبدو المادة (146) واضحة: فهي تنص على أنه قبل أن يتمكن العامل من رفع دعوى قضائية ضد صاحب العمل، يجب عليه أولاً تقديم شكوى إلى إدارة العمل المختصة، وهي الهيئة العامة للقوى العاملة.

وتهدف هذه الخطوة الأولية إلى تشجيع التوصل إلى حل ودي، لكنها في الممارسة العملية غالباً ما تكون بمثابة حاجز على الطريق، أو متاهة يجب على العمال التنقل عبرها.

ويكمن جوهر المشكلة في بعض أوجه القصور النظامية التي كست هذه العملية. ورغم التكليف بالتوصل إلى حل في الوقت المناسب في غضون شهر واحد، فإن الواقع غالباً ما يختلف بشكل كبير. ويصبح الطريق إلى العدالة مليئاً بالتأخير في أحيان كثيرة؛ إذ ان شرط تقديم شكوى قبل إمكان رفع الدعوى القضائية- لا ينطبق على أصحاب الأعمال، وإنما يجوز لهم اللجوء مباشرة إلى المحاكم لرفع الدعاوى ضد العمال.

علاوة على ذلك، حتى لو تمكن النزاع من الوصول إلى المحاكم، فإن هناك عقبة أخرى تلوح في الأفق وتتمثل في تحدي إعلان الطرف الخصم. في كثير من الحالات، حيث يتبيّن أن هذه المهمة التي تبدو بسيطة لا يمكن التغلّب عليها، ما يؤدي إلى الحكم باعتبار الدعوى كأن لم تكن.

وعليه تزول كل الآثار القانونية المترتبة عليها، بما في ذلك الشكوى العمالية، في الوقت الذي يفترض أن يتم الإعلان بالجلسة لتنظر أمام المحكمة خلال 3 أيام من الإحالة إليها لتنظر على وجه الاستعجال بموجب المادة 147 من ذات القانون.

ومن ذلك يتضح أن عدم الإعلان الذي هو مهمة قسم الإعلان في المحاكم يترتب عليه أمر قاسٍ بحق العامل، والقضاء باعتبار دعواه كأن لم تكن، وعندما ينسحب ذلك إلى شكواه المرفوعة مسبقاً يضطر إلى تقديم شكوى جديدة أمام إدارة العمل المختصة التي قد لا تقبل الشكوى لمرور أكثر من سنة على انتهاء عقد العمل محل النزاع، ما يجرنا إلى مسألة أخرى وهي مرور الزمن المانع من سماع الدعوى العمالية.

وكانت المادة 96 من القانون رقم 38 لسنة 1964 الخاص بالعمل بالقطاع الأهلي الملغى بصدور القانون الحالي رقم 6 لسنة 2010 على أن: «... ولا يجوز سماعها بعد سنة من وقت انتهاء العقد..»، فالقانون السابق كان أغلق الباب أمام أي محاولة لرفع دعوى بعد انقضاء مدة السنة، في حين أن القانون الحالي أتى ليُعطي العامل الحق في رفع الدعوى حتى بعد مرور هذه المدة، ذلك أن نص المادة 144 من القانون الحالي: «لا تسمع عند الانكار بمضي سنة من تاريخ انتهاء عقد العمل الدعاوى التي يرفعها العمال استناداً إلى هذا القانون...».

إلا أنه وبالرجوع الى الواقع العملي نجد أن تطبيق هذه المادة منعدم حقيقةً! فعند مضي أكثر من سنة على انتهاء عقد العمل، لا يتمكن العامل من تقديم شكوى إلى إدارة العمل المختصة ولا حتى رفع الدعوى مباشرة أمام المحكمة، ذلك أنه ولو قام برفع الدعوى مباشرة فإنه يقضى فيها بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق القانوني! وفي الوقت نفسه، لا تقبل إدارة العمل شكوى العامل لمضي مدة السنة.. فيقف العامل محتاراً لا يستطيع تحصيل مستحقاته لانغلاق كل الأبواب أمامه ليتجرع مرارة تطبيق القانون في الوقت الذي جاء القانون ليسمح برفع الدعوى حتى بعد السنة وإنما اشترط لعدم سماعها حضور الطرف الخصم وإنكاره، الأمر الذي يميزه عن غيره من قوانين العمل الخليجية لكن أين التطبيق؟

وهكذا، ففي حين أنه قد يعتقد أن قانون العمل الكويتي يحمي حقوق العمال، فإن التطبيق العملي للمادة (146) يظهر فجوة بين النص والواقع – فيتبيّن فيها إخلال التوازن والموازنة بين حقوق والتزامات العامل وحقوق والتزامات أصحاب الأعمال، ومن ثم إهدار فلسفة المشرع من وضع نظام حماية العمال وقوانين العمل.

وفي المقابل، وعند الاطلاع على قوانين العمل الخليجية، نجد أن القانون القطري قد أعطى لإدارة العمل صلاحيات يترتب عليها تيسير الإجراءات، كأن يكون لقرار الإدارة قوة السند التنفيذي عند اتفاق الطرفين على نتاج التسوية الودية.

أما في حال عدم قبولهم فإن مرحلة العرض على لجنة فض المنازعات العمالية محددة بمواعيد قصيرة المدى تؤدي إلى فض النزاع ما بين الطرفين على وجه الاستعجال إضافة إلى صدور قراراتهم مشمولة بالنفاذ المعجل، الأمر الذي لا نجد له نظيراً في قانون العمل الكويتي.

ونجد الأمر ذاته في القانون الإماراتي، فإن في المرحلة الأولية -وهي التسوية الودية- تتولى الوزارة مسألة الفصل في النزاعات التي تكون قيمتها أقل من 50 ألف درهم إماراتي بقرار نهائي تكون له قوة السند التنفيذي. أما في حال تعذر التسوية أو كانت قيمة النزاع أكثر من 50 ألف درهم، فحينها يحال النزاع إلى المحكمة للفصل فيه وتحدد له جلسة خلال 3 أيام من تسلم طلب الإحالة.

هذا وبالإضافة إلى أن القانونين سالفي الذكر اشترطا تقديم الطلب إلى إدارة العمل المختصة من قِبل الطرفين سواء العامل أو صاحب العمل على خلاف القانون الكويتي الذي اشترط ذلك على العامل فقط دون أصحاب الأعمال.

وفي الختام ومن خلال ما استعرضناه، نحث بشدة على إعادة تنشيط قانون العمل الكويتي من خلال الاستلهام من التشريعات في قطر والإمارات، ويمكن تحقيق ذلك من خلال منح إدارة العمل المختصة الصلاحيات اللازمة وتحويلها إلى أداة ديناميكية وفعّالة لحل النزاعات بين العمال وأصحاب العمل.

علاوة على ذلك، لابد من إنعاش تطبيق المادة (144) من قانون العمل في القطاع الأهلي الكويتي بحيث لا تكون مجرد حبرٍ على ورق. كما نوصي في الحالات التي تحكم فيها المحكمة باعتبار الدعوى العمالية كأن لم تكن، يجب ألا يترتب على ذلك أن تفقد الشكوى العمالية قيمتها، لئلا يفقد العامل حقوقه، مع ضرورة الوقوف على معضلة عدم تمام الإعلان والتي تُعد واحدة من أكبر العقبات التي تعترض طريق العامل في الوصول إلى حقه، . دعونا لا نسمح لمثل هذه العقبات بتجريد العمال من حقوقهم !