مجيد الحاج حمود / الانتخابات النيابية المقبلة... والشعب العراقي

1 يناير 1970 07:56 ص
تدور الآن على الساحة السياسية العراقية معارك طاحنة على مستويين، سياسي علني وإرهابي متستر لإرباك العملية السياسية وافشالها بعد أن أخذت تخطو خطواتها نحو الديموقراطية.

الانتخابات تمثل أحد أنصع وجوه الديموقراطية وعناوينها، لذلك ينبغي الحفاظ عليها قدر الإمكان، وصيانتها من العبث والتشويه وصراع المصالح، انها تعاني من سلبيات متعددة تَفت في عضدها وتربك خطواتها الوليدة، وهذه السلبيات تظهر بأوجه وأشكال متعددة، ويأتي على رأسها الطائفية المقيتة التي لا تخدم إلا مصالح قادتها، والتي فرخت أمراضاً عديدة صارت تتجذر في النظام السياسي، وتتحول إلى مواصفات وعناوين بارزة له، إن لم تعالج سريعاً فانها ستستوطن ويصعب اقتلاعها من جذورها.

ومن هذه الأمراض الفساد المالي الذي ترتب عليه استنزاف موارد الشعب العراقي، والفساد الإداري الذي أفرز أجهزة غير كفوءة لا يمكنها بناء دولة حديثة تحمي مصالح الشعب العراقي وتصون حقوقه، ويأتي نفوذ الدول الإقليمية المتناقضة والمتصارعة على الساحة السياسية العراقية وقوداً لهذه الأمراض الفتاكة وغيرها، تشجعها وتباركها.

لقد دخل العراق خلال الأعوام الأربعة الماضية أكثر من مئتي مليار دولار كما قدرتها بعض المصادر الدولية، وهذا المبلغ يمكن أن يكون أساساً لاقتصاد متماسك ومنيع ويكفي لبناء دولة حديثة، لو توفرت له أجهزة كفوءة ونزيهة، بينما صارت معدلات الفقر ترتفع والأمراض الاجتماعية وغير الاجتماعية تتعمق، وثروات غالبية المسؤولين في الخارج تتضخم بصورة شبه علنية. ان الأموال الضخمة التي تهدر في الانتخابات على الساحة السياسية العراقية أحد مظاهر هذا الفساد المستشري وهذا الارتهان الإقليمي الصارخ.

والآن أفرزت أو ابتكرت الطائفية ظاهرة جديدة تتستر وراءها وهي: تحول الجميع بين ليلة وضحاها من مشاريعهم الدينية والطائفية إلى مشاريع وطنية بمجرد إضافة أطر مفتعلة، أو شخصيات لا تمثل إلا أنفسها أو تكتلاتها، شخصيات نزعت جلودها وصارت تتخندق وراء عناوين لا تملكها، وتلهث من منبر إلى آخر عساها تلحق بالموجة الجديدة.

جاءت قرارات هيئة العدالة والمساءلة في توقيت غير مناسب، فقد كان عليها فحص الكيانات وأطراف العملية السياسية الانتخابية مبكراً وأولاً بأول، وألّا تكون انتقائية في عملها، خاضعة لبعض الأطراف النافذة فيها، بل تشمل الكتل والكيانات كافة وفقاً لما يقرره الدستور العراقي.

ان تحفظنا الوحيد هو ألا يشمل قانون المساءلة والعدالة المواطنين الذين تورطوا في الانضمام الشكلي إلى تنظيمات حزب السلطة بسبب الخوف، أو الاكراه بالقوة، أو بحثاً عن فرصة عمل أو دراسة، أو أي سبب آخر غير الإيمان بحزب صدام حسين وشعاراته المخادعة، دون أن يعني ذلك السماح لمن يحنون إلى عهد صدام الأسود بركوب منبر الديموقراطية افتعالاً، والتسلل إلى الساحة الوطنية، بينما هم يتغنون بمحاسن صدام الوهمية، وتحويل المقابر الجماعية وساحات الأنفال إلى متنزهات لنفوسهم المريضة، مهما كانت سلبيات المرحلة التي نعيشها وهي كثيرة كما ذكرنا.

ان صيانة العملية الانتخابية، واعطاء الفرصة إلى المواطن العراقي ليقرر موقفه الحر أمام صناديق الانتخابات من دون ضغوط، هي مهمة ينبغي أن يصونها ويلتزم بها الجميع، لكي تسير الانتخابات بصورة انسيابية سلسة تحقق آمال الشعب العراقي وطموحاته، وتنقلها إلى مرحلة متقدمة، بعيداً عن هذا التخندق الطائفي، والفساد الذي طغى على أجهزة الدولة بمستوياتها كافة.





مجيد الحاج حمود

كاتب عراقي مقيم في لندن