آخر زيارة لي إليها كانت قبل ثلاثة أعوام تقريباً، حيث كانت شامخة في قالب من التواضع، ملؤها الكبرياء من غير كبر، يجللها الفخر دون أن تدعيه، ترصع هامتها إنجازات يحق لها أن تفخر بها، ومع ذلك تتواصل فيها الإنجازات تلو الإنجازات لتكون السجل الحقيقي للعطاء الوطني، دون حكي فارغ، وخطط تنمية خمسية، ومؤتمرات صحافية، فتلك أدوات من يجيد صفصفة العبارات دون إنجازات.
أقول قولي رغم حبي لوطني، وأكتب ما أكتب ويدي ترتجف وقلبي يخفق بصورة أسرع من المعتاد خوفاً على وطن ضيعه أبناؤه بين عوير وزوير واللي ما فيه خير، وضاع حق الشعب في أن يرى إنجازات على أرض الواقع، كما رأيت إنجازات أبوظبي في تطوير جزيرة «ياس»، وتحويل الحلم إلى واقع في ظرف ثلاثة أعوام فقط لا غير بكامل البنية التحتية.
أكاد أجن من التفكير العميق والسطحي أحياناً لأصل إلى جواب عن سؤال تافه! سؤال يصول ويجول في ذهني كلما زرت دولة خليجية، ورأيت العمل الجاد المتواصل لجعل بلادهم جاذبة للسياح والاستثمارات ورجال الأعمال، وفي الوقت نفسه أتحسر على الكويت، لأنها تقف على أعتاب التخلف الإداري، ولأن واقع وسياسات العمل الحكومي تتناقض تماماً مع توجهات حضرة صاحب السمو، «شي يبط الجبد صج»!
أريد جواباً صريحاً واضحاً لما يجري، أريد جواباً من أهل الحل والعقد والعقل، أريد جواباً جامعاً مانعاً نافعاً مقنعاً، لا أريد «بَنَدولاً» مسكِّناً، أريد جواباً يهدئ روعي، ويطفئ نار الحسرة على طاقات كويتية تطيش أحلامها، وتتبدد طموحاتها على أرضية واقع مر، يصبح المرء فيه وطنياً قحاًّ، ويمسي كافراً حقاًّ بكل معاني الوطنية، ليتقوقع في ظلمات القبيلة والمذهب والعائلة والفئة، وماما حكومة بسلامتها تتفرج وتصفق وتشجع!
لم أصبحت عروس الخليج عجوزاً شمطاء، هل عوامل التعرية والتجوية أثرا فيها إلى هذه الدرجة، ألا تملك ميزانية كافية لإجراء عمليات تجميل لإزالة الترهلات وشد ما يمكن شده، أليس فيها رجل رشيد فيه غيرة على وطن كان قبلة الخليج، وأصبح اليوم متحفاً وتاريخاً، أليس فيها رجل لديه حمية على وطن صغير دمره أهله بخلافات تافهة؟
كانت تلك لحظات يأس ومشاعر إحباط عشتها قبالة شاطئ جزيرة «ياس» الظبيانية، التي أتمنى لها ولأهلها كل توفيق وازدهار، ويبقى خليجنا واحداً وشعبنا واحداً.
د. عبداللطيف الصريخ
مستشار في التنمية البشرية
[email protected]