سؤال الغفوة مجرد هفوة

14 مايو 2024 10:00 م

غفوتُ يوماً فرأيتُ أني في عام 48 بعد الألفين أستمع لخبر عاجل مفاده أن زلزالاً ضرب القدس المحتلة... فخلت أني صحوت مفزوعاً لهول ما رأيت أو ربما لخشيتي من المزيد، حيث هرعت يدي تسابق عيني للبحث في قنوات الأخبار عن التفاصيل. إذ طلع مسؤول فلسطيني يقول إننا نطالب بضمانات أميركية لاستئناف مفاوضات الوضع النهائي، فتعجبت كيف نكون بعد مئة عام من احتلال فلسطين والمفاوضون يراوحون مكانهم ويجترون أقوالهم.

ثم عمّ سيتفاوضون ولم يبق شيء من فلسطين، وأي أميركا التي يعول عليها وقد شاخ اقتصادها وتراجع بريقها وأفل سحرها أمام أقطاب دولية فتيّة باتت تزاحم العم سام في القيادة؟

دخل المقاومون على الخط يصرُّون على الوعد بالتحرير والصلاة في الأقصى! فذهلتُ لهذا الوعد وبدأ لي أني لست في منتصف القرن الحادي والعشرين.

تزاحمت الأسئلة... وصحوت قبل أن أتمادى، لكن ما بين الغفوة والصحوة مسافة سؤال فتح أمامي كل المدى...

هل سؤال الغفوة مجرد هفوة؟

لا مجال للعودة.

من يومها وذات السؤال يؤرقني؟ فقررت أن الموت أهون من غفوة!

طيلة قرن ما قبل ألفين وثمانية وأربعين كابوس مع وقف التنفيذ... لكن ما سيتبقى من فلسطين بعد قرن من احتلالها سيكون كابوساً مع التنفيذ، المشهد يبدو كفسيفساء تتقاطع جزئياتها لتعكس حقيقة ممكنة

انطلاقاً من يقين حسابي يقول إن اثنين أكبر من واحد، وانطلاقاً من تلفيق يسوق لأيديولوجية إن اثنين أفضل من واحد ستقرر حركتا فتح وحماس الاستقلال وإقامة دولتين من خلال جدار فاصل بينهما، وكأن الجدران الأخرى التي قطعت أوصالهما لا تفي بالغرض!

الأصوليون اليهود سيستغلون النظام الانتخابي في إسرائيل للسيطرة على كل أجهزة الدولة الإسرائيلية. ولكن بكل ديموقراطية، وعندها سيعلنون الجهاد ضد اليسار العلماني وأنصار السلام فتكون لهم دولة.

يبدو أن ديمومة المعايير المزدوجة سيكون لها في العمر بقية.

أميركا راعية السلام، ربما لن تكون قادرة إلا على رعاية نفسها، فبذرة فنائها تكمن فيها، يمحقها نظام مالي ربوي، وتحيد بها اللوبيات عن وصايا أبراهام لينكولن وتطرح حلم لوثر كينغ في المزاد... الفوضى الخلاقة المبرمجة تنقلب فوضى خارج الحساب لتطرح منه سلام العرب.

إيران حينها تكون قد دخلت نادي الكبار، فتهدأ شهوتها للرؤوس النووية وكذا عداوتها لأميركا، وإن كانت لا تستغني عنها باعتبارها وقود استغفال المخدوعين بشعاراتها التي تستقوي بها حماس، فتختزل فلسطين في غرة غزة.

تركيا القريبة البعيدة، حبيبة الكل، وسياسة الاسترجال أمام الحليف الإسرائيلي ستؤتي أُكلها، فكلما احمرّت عينا أنقرة في وجه إسرائيل تغازلها أوروبا بالقربى... يومها ستكون تركيا أقرب إلى جغرافيا أوروبا.

أما الصين التي ورثت الميزان من المرحوم السوفياتي... فستنصر حركة مقاومة الامبريالية الإسرائيلية بسجادات مرسوم عليها الأقصى تحقيقاً لوعد الصلاة فيه... وللعرب غير المنحازين ستصنع لهم بكين مجسّمات للمسجد الأقصى بسعر يناسب (غلاوة) القدس... أما ما يبقى من عرب اللاءات فستبيعهم الصين لاءات جديدة مقلدة... المتنورون سيرفضون فتعوضهم (لاء) أخيرة مقلدة درجة أولى تحمل (كود بار) وشهادة (ايزو) صالحة للاعتراض في مجلس الأمن.

في خضم هذه الفسيفساء المحيطة بحاضر فلسطين... هل بقي لفلسطين وجود؟ المتحمسون المنغلقون في أدبيات الوعد والوعيد كما المنفتحون على كل المسارات الهالكة سيقولون نعم... لكن الواقفين بين البين يدركون أن فلسطين ازدادت ضياعاً وبعداً ولم نعد نحتفظ منها إلّا بالكوفية وملف بالقضية.

Email : [email protected]