رواد مقهى «الشميمري» يتذكرون احتفالات الماضي الجميل ويتعجبون «حتى القليلبة صارت كهربائية»

الأعياد الوطنية... الله يا زمان أول

1 يناير 1970 12:09 م
|كتب غازي العنزي|

فبراير... شهرالعيد الوطني ويوم التحرير، وهو أيضا شهر الملاحم البطولية والدستور وتجديد البيعة والولاء للقيادة السياسية، تحول في عرف الجيل الحالي الى ( رغوة وصابون وتفحيط ) ومسيرات على شارع الخليج، عكس تصوره في اذهان الجيل القديم الذين يتذكرون طريقة احتفاليتهم به بحنين جارف الى الماضي الجميل.

عدد من كبار السن والرعيل الأول عبروا عن فرحتهم باحتفالات العيد الوطني وعيد التحرير ومرورالذكرى الرابعة على تولي سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد مقاليد الحكم، مشيدين بالانجازات التي تحققت في عهد سموه بمختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وترسيخ التجربة الديموقراطية، مقارنين بين كويت الماضي وكويت الحاضر في أعيادها، مستذكرين ما قدمه الرعيل الأول من الآباء والأجداد من تضحيات ومعاناة كي تصل الكويت إلى المستوى الذي تعيشه الآن، مطالبين بعودة بعض المظاهر القديمة التي بدأت في التلاشي في وقتنا الحاضر، وضبط رعونة وطيش الشباب، مشددين على ضرورة ترسيخ مفاهيم الوحدة الوطنية وأهمية هذه الأعياد من قبل الآباء في أذهان الأبناء.

«الراي» التقت بعض رواد مقهى سليمان الشميمري في ديوانية كبار السن على شارع الخليج العربي واستطلعت أراءهم حول الأعياد الوطنية في السابق والحاضر... وهنا التفاصيل:



في البداية يتذكر يوسف محمد الغريب أول عيد وطني شارك فيه بحديقة الحزام الأخضر أيام السبعينات، وقال: «كانت هناك عروض عسكرية في حديقة الحزام الاخضر، وكان الاطفال ينتظرون العرض العسكري وهم ممسكون بعلم الكويت يلوحون لنا به، وجميع أهالي الكويت يفترشون الارض منذ الصباح الباكر، وتجد في الساحات الترابية فرقة العرضة والسامري وأغاني البحر والعاب الاطفال التقليدية القديمة، كان أول الحمولة ( العائلة ) من كبيرها وصغيرها تتجمع وتتفق على التلاقي في الحديقة منذ الصباح إلى المساء مبتهجة والأطفال من بنات وأولاد يرتدون العلم وكبار السن الزي الشعبي».

ويضيف: «أما الآن أصبحت الاحتفالات تكلفتها مرتفعة جدا، والله يهدي شبابنا الحين وكأن العيد الوطني هو ( رغوة وصابون وتفحيط ) والشوارع مغلقة والبعض منهم ما يصدق العيد فيه عطلة رسمية عشان يستغل بقية الأسبوع للسفر بالخارج، وهذا مؤسف جدا ولا كأن هذا هو العيد والفرحة لأهل الكويت».

ويرى صلاح القطان ان الاعياد الوطنية في السابق تختلف عنها في الحاضر، وذلك لاختلاف الزمان حيث كانت في السابق بسيطة، وكنا صغاراً نحتفل بها وننتظرها من عام إلى عام ونفرح بالعطلة ونتجمع انا والاصدقاء والعائلة، كنا نلعب أول في ( الديارف ) اللي على الحبال ونصعد العربانات ونرفع علم الكويت ونردد الاناشيد الوطنية والسلام الاميري، وهذه الامور كلها اختفت الحين كل شي تغير ( حتى القليلبة صارت كهربائية) رغم زيادة الاهتمام من قبل الدولة بالاعياد لانها تجسد الوحدة الوطنية.

ويضيف القطان: «أما الآن كأن العيد هو اغان وطرب وابتعدوا عن أهمية العيد الوطني، وهو عيد التلاحم والوحدة الوطنية وترسيخ مفاهيم الولاء وتجديد البيعة والالتفاف حول قيادتنا الحكيمة وحكومتنا، والتذكير بدورالآباء والاجداد والملاحم البطولية حتى نلنا الاستقلال، هذه الامور تتلاشى فعيد الكويت مو بس نرفع العلم وخلاص، عيد الكويت هوعيد كل الكويتيين وهو عيدنا الشعبي بقيادتنا، فشهر فبراير شهرالخير والوطنية والتلاحم ونبذ التفرقة والعنصرية وتجسيد الوحدة الوطنية، وشهر التذكير بدور الرعيل الاول والآباء والاجداد، وشهرالملاحم البطولية والمواقف الرجولية، وشهر الديموقراطية والدستور وتجديد البيعة والولاء للقيادة الحكيمة في أسرة آل صباح، احنا يجب ان نحتفل بكل شيء كويتي أصيل قدمه الآباء وأكمل مسيرته الأبناء، فالكويت للكويتيين ونحن من يجب ان يقدم الولاء ويحيي هذه الذكريات بالفرحة العارمة والتعبير عنها من خلال احساسنا الوطني وترسيخ حبنا لهذه الأرض، وهذا ما أثبت خلال محنة الغزو الغاشم عندما جسد الشعب الكويتي صورا من الولاء والالتفاف حول قيادته الحكيمة».

وبدأ عبدالخضر العبداللطيف ( ابو محمد ) حديثه مبتسما قائلا: ( ايه يا ولدي الكويت اول حلوة والحين حلوة ولكل شيء وقته ولكل زمن صفة حلوة )، في السابق كنا شباباً فينا الشدة والقوة والهمة والعزيمة ونعبر عن الفرحة خلال الاحتفالات مع اهلنا وعيالنا وحريمنا، وكان المسؤولون يعملون الكرنفالات اللي تشارك فيها وزارة التربية بالبراعم وبالزي الشعبي ممسكين بعلم الكويت وملوحين بايدينا على امتداد الممرات والطرقات اللي يمر فيها المسؤولون، وكانت وزارة الاعلام تشارك، وكانت مناسبة رسمية وكل الشعب يستقبلها منذ الصباح الباكر، نشاهد العرض العسكري والكل يتمنى يصير عسكريا، وكانت الفرق الشعبية تستقبل العيد بالدفوف والعلم بالوسط والكل يرقص بالسيف، اما الآن كبرنا بالعمر وصار احتفالنا من البيت للمقهى.

ويستذكر ابو محمد الماضي قائلا: أتذكر أول احتفال للعيد الوطني بالشامية، كان الاستعراض من قبل الجيش والشرطة ووزارة التربية، وبعد ذلك انتقل الاحتفال إلى ( المطار القديم بالنزهة ) إلى ان وصل إلى شارع الخليج، وكان الاهل يشاركون في فرحتنا بهذا اليوم، وكأنه عيد يضاهي عيدي الأضحى والفطر ( نلبس ونكشخ له ) ونهنئ بعضنا البعض صغيرنا يدير باله على كبيرنا، أما الآن فالزمن تغير، قبل كان كل فريج تحصل عنده سيارة واحدة، الحين كل فريج ما تقدر تدخله من كثر السيارات والبركة بعيالنا يجب ان ندعمهم للاحتفال بهذا اليوم بتنمية الروح الوطنية، بس بعيداً عن الازعاج خلال اغلاق الشوارع واستعراض الشباب ( رشق المارة بالرغوة من قبل الاطفال ) ومعسكرين بشارع الخليج ولا نجلس أمام الراديو والتلفاز والشوارع تركوها للاطفال.

أما عيسى حسن السويد فيقول: ( الاحتفالات بالعيد الوطني في السنوات الاولى كان لها اثر في نفوس الكويتيين وجسدت الدور الذي لعبه الآباء والاجداد في تطور كويتنا العزيزة واستقلالها في أوائل الستينات، فقد كانت تشارك مدارس التربية عبر الزي الموحد على امتداد ( السكة ) والمجسمات الجميلة وفرق من الشرطة والجيش بالاستعراض العسكري، بالإضافة إلى احياء العيد بالفرق الشعبية ورقصة السامري والعرضة والفنون البحرية، ونذكرها أول ما بدأت بالشامية ومن ثم انتقلت عند المطار القديم بالنزهة إلى ان اتجهت إلى شارع الخليج، حيث كان الجميع يفرح بها لان الكويتيين يعتبرون العيد الوطني تتويجا لجهود امير الكويت الراحل الشيخ عبدالله السالم في استقلال الكويت، حيث قام الكويتيون بجعل العيد الوطني في يوم توليه للحكم وهو 25 فبراير تكريما له وكان الصغير قبل الكبير يسير في مسيرة العيد الوطني، لذا نطالب كافة المسؤولين باعطاء هذا الشهر أهمية خاصة والمشاركة بانفسهم خلال نزولهم للشارع وتوطيد العلاقة مع الشعب، لا نريد ان نراهم عبر التلفاز او نسمعهم عبر الراديو بل نريد ان نراهم باعيننا ونلامس الفرحة معهم ونشاركهم بها، فهذا عيد الكويت وعيد كل الكويتيين، نريد ان نرجع كما كنا في السابق نرى الاطفال يلبسون الملابس الوطنية والعرضة والفرق الشعبية وان يفرح الجميع بهذا العيد، نريد ان نرى الصغير يحترم الكبير والكبير يحنو على الصغير، للاسف غلط نقول الزمن تغير احنا اللي تغيرنا، فكويت الماضي هي كويت الحاضر والآباء لهم دور كبير لان التربية تبدأ بالمنزل قبل المدرسة، ويجب على الآباء ان يعلّموا الأبناء اهمية هذا اليوم ويقصوا لهم قصص التاريخ الكويتي والاستقلال، ويجب ان يرسخوا في عقولهم مفاهيم الولاء وحب الوطن لان العيد الوطني لدى اطفالنا اصبح للاسف ( عيد رغوة وصابون ).

ويرى عبدالله القلاف ان الاحتفالات في الماضي جميلة يعجز اللسان عن وصفها ولها رونق خاص لبساطتها، لكن هذا لا يقلل من الاحتفالات الحالية التي دخلت عليها مستجدات العصر الحديث، فقد كنا نلمس الفرحة على محيا الجميع وكنا نتوق للاحتفالات الوطنية من عام إلى آخر، أما حاليا فالاحتفالات صبغت بالصبغة الحديثة حيث ادخل الشباب ( رغوة الصابون والأبواق ) ودخلت مسيرة السيارات والالعاب النارية التي سببت حوادث كثيرة لأطفال أبرياء، لذا نطلب من حكومتنا وضع ضوابط للاحتفالات بالاعياد الوطنية من المستهترين الذين يفسدون فرحتها على العائلات، خصوصا الاطفال بسبب رعونة الشباب والاستهتار وعدم المبالاة، ونشيد بدور رجال الامن الذين يبذلون كثيرا من الوقت في تنظيم الاحتفالات بالوقت الحالي والحد من المخاطر الناتجة عن تهور الشباب.

ويقول أحمد الدوسري ( ابو سالم ): شدتني الذكريات إلى أيام جميلة رائعة محفورة في الوجدان حيث كنا نتوق لها شوقا، ويمكن النظر الى التسجيلات التلفزيونية القديمة والصور التي تبرز هذه المناسبة في الستينات والسبعينات، كان في الأول يرفع العلم والسلام الأميري والصغار ( للديارف ام حبال ) والعربانات اللي يجرها حصان وفرحانين بلبسنا وببساطتنا، فأهل الكويت كان عددهم قليلاً والكل يعرف بعضه البعض متلاحمين لا رغوة ولا صابون ولا زحمة، هالسيارات يمر علينا المسؤولون الكبار نعايدهم ونعايد بعضنا ونرقص بالسيف ونعرض مع الفرق الشعبية آنذاك ونردد مع أهل البحر أناشيد الغوض والبحر، ويسولف لنا جدي كيف كانت الكويت وكيف أصبحت، وكنا نتمنى ان نعمل شيئاً للكويت في المستقبل، الحين هذه الامور تلاشت، الأب لاهي بأمور الحياة والابن ( بيده الرغوة وازعاج الأوادم ).

ويتذكر الدوسري: «في الثمانينات كان المميز صوت شادي الخليج وسناء الخراز بعد ان تحول الاحتفال للراديو والتلفزيون».

ويضيف الدوسري: «اما في التسعينات كان للاحتفال بعد تحرير الكويت من الغزو العراقي الغاشم طعم آخر خصوصا بعد ان ذاق الكويتيون مرارة الغزو والتفوا حول قيادتهم الشرعية، واحتفل الكويتيون بالعيد الوطني وعيد التحرير الذي اكسب الكويتيين لذة وطعم الاستقرار وحب الوطن والالتفاف حول بعضهم البعض في الشدائد»، مطالبا الحكومة باستمرار هذه الاحتفالات بمنطقة صبحان لانها تؤصل الشعور الوطني لدى المواطنين.

ويقول فيصل السلطان: «الاحتفال بالعيد الوطني في الماضي كان يتميز بالبساطة والتآخي والتعاون والترابط والمحبة، لاسيما وان عدد السكان كان صغيرا جدا والكل يعرف بعضهم البعض، إلى أن بدأت النهضة الحديثة، فتغيرت الأحداث، وأصبح لكل وقت زمان ولكل جيل تطلعاته وآماله، فكانت فرحة العيد الوطني تجسد تلاحما بالتفاف الشعب آنذاك حول القائد والحكومة وبمشاركة كافة المسؤولين.

ويشير السلطان الى المعاني السامية التي يجب ان يدركها الصغار من الاحتفال مثل التركيز على اهمية العلم وبث الاغاني الوطنية مما يزيد الحماس الوطني، وهذا لا يتم الا من خلال التنسيق بين وزارتي التربية والاعلام لزرع الثقافة الوطنية.

أما المدير العام للمقاهي الشعبية في محافظات الكويت مبارك الهاجري فيقول: «المقاهي الشعبية منذ الماضي وحتى وهي على صبغتها القديمة في محافظتها على التراث لاسيما اثناء الاحتفالات في الاعياد الوطنية والتي لها أهمية خاصة، حيث نحرص كل الحرص على ان تكون نموذجاً للمحافظة على التقاليد والعادات الكويتية المعبرة عن التراث الكويتي العريق بما تقدمه من خدمات لروادها من خلال الجلسات والديوانيات المخصصة لكبار السن والرعيل الاول، وتوفير كافة الاكلات الشعبية التي يقبل عليها المواطنون بأسعار رمزية لا تتعدى التكلفة، كما اننا منذ يوم 24 فبراير نجلب الفرق الشعبية وعمل المسابقات العائلية وجعل هذه الايام مميزة في كافة المقاهي الشعبية بمختلف المحافظات بأجواء عائلية واحساس بأهمية هذا اليوم، لا سيما وان هذه المقاهي هي رؤية خالصة لسمو امير البلاد الراحل الشيخ جابر الاحمد، حيث كانت كل اهتماماته هي توفير هذه المقاهي في جميع مناطق الكويت لتكون متنفسا للعائلات الكويتية، وحرص سمو امير البلاد الشيخ صباح الاحمد وسمو ولي العهد الشيخ نواف الاحمد على الاستمرار في تقديم الدعم والمساندة لهذه المقاهي والاهتمام بكافة احتياجات روادها، كما يتجلى ذلك في حرص سموه على زيادة المقاهي في شهر رمضان المبارك والالتقاء بأبنائه واخوانه رواد المقاهي والسؤال عنهم، حتى ان سموه يعرف اسماء الكثير ممن يلتقي بهم من رواد المقاهي».

ويستذكر الهاجري الاحتفال بالاعياد الوطنية في السابق قائلا: «كانت الاحتفالات تأخذ شكلا حضاريا راقيا من خلال مسيرة شارع الخليج بالمركبات التي كانت تحمل الفرق الشعبية المختلفة، بالإضافة إلى الحفل المميز لوزارة التربية في مسرح المعاهد الخاصة، وكانت الفرق الشعبية تصدح في كافة مناطق الكويت وتوزع الالعاب الشعبية على الاطفال وتتزين المنازل بالاعلام، حيث كانت هناك منافسة على كيفية وضع علم الكويت من الاضواء مزينا برقم العيد الوطني»، ويضيف: «نذكر وزير التربية الاسبق الدكتور يعقوب الغنيم وأياديه البيضاء خلال الاحتفالات بالاعياد الوطنية حيث كان هو المؤلف والمشرف على الاوبريتات ويوليها اهمية خاصة وبحضوره الشخصي ومشاركته اطفال المدارس الفرحة مع المدرسين والاداريين، وكان الآباء يشاركون ابناءهم بهذا اليوم، كما نستذكر المرحوم صالح شهاب والاستاذ السنعوسي والسيد عبدالرحمن المزروعي ومثلهم من الاخيار الذين لهم بصمات واضحة لا ينكرها احد ولم ينسهم تاريخ الكويت».

ويشير الهاجري الى ان الاحتفالات الان اخذت اتجاها سلوكيا مغايرا لما كان عليه في السابق، من خلال الاساءة إلى الناس بالرغوة وغيرها من المواد التي تلوث السيارات والشوارع، لاسيما استدعاء المطربين والمطربات من خارج الكويت لاحياء الحفلات، فأصبحت ظاهرة تجارية أكثر منها وطنية، في الماضي كان الاحتفال لا يكلف الكثير يتم دفع المئات ويشاهده الملايين والآن ندفع الملايين ليشاهد الاحتفالات المئات وهذه أمور محزنة.