اتجاهات

لماذا تراجع الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا؟

19 فبراير 2024 10:00 م

قد بدا واضحاً للعيان منذ عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر، أن الحرب الأوكرانية قد همّشت بشكل كبير جداً على مستوى الاهتمام العالمي والإعلامي، والغربي أيضاً. وفي ما يتعلق بالأخير فالحقيقة أن الحرب في غزة لم تكن إلّا كاشفةً لمستوى الدعم الغربي المتراجع لأوكرانيا الذي كان موجوداً بالفعل، ناهيك عن تراجع مستوى الدعم بعد حرب غزة.

وللتعمق في أسباب تراجع الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا؛ يجب إيضاح بعض الحقائق الرئيسية المؤثرة التي كانت واضحة حتى قبل الغزو الروسي في أوكرانيا. وتكمن الحقيقة الأولى وهي في رؤيتنا الأهم في أن الرئيس الروسي بوتين قد اتخذ قرار الغزو وهو متيقن تماماً أنّ أوروبا والولايات المتحدة ستعجزان تماماً عن دحر قواته من أوكرانيا. إذ سيتطلب ذلك دفع حلف الناتو إلى خط المواجهة مقابل رد روسي نووي «مؤكد» ولو تكتيكياً، وبالقطع ذلك سيناريو مستبعد مطلقاً من جانب الغرب خصوصاً الولايات المتحدة.

وتتمحور الحقيقة الثانية في تصور الغرب ذاته بشأن التهديد الروسي. إذ يمكن القول، رغم إجماع الغرب بأن روسيا بعد غزو أوكرانيا قد أضحت تهديداً وشيكاً عليهم، خصوصاً على أوروبا. إلا أن مستوى خطورة هذا التهديد يتفاوت بينهم. فبعض دول أوروبا الشرقية كبلغاريا لا ترى في روسيا خطورة كبيرة، بل مستعدة للتحالف معها. ودول جنوب أوروبا كإسبانيا وفرنسا ترى أن التهديد الرئيسي ينبع من الهجرة والإرهاب. وهو ما يعنى أن هذه البلدان قد تكون مستعدة لإبرام صفقة مع روسيا على حساب أوكرانيا إذا كان ذلك سينهي الحرب أو التهديد الروسي.

وبناءً على ذلك، قد تبيّن أمران في غاية الأهمية فور الغزو، الأول تردد أوروبي واضح في التورط وفرض عقوبات على روسيا. والثاني، قيادة الولايات المتحدة للكتلة الغربية المترددة للتصدي للغزو.

الشاهد في المسألة أنه في ضوء تلك المعطيات قد استقر للغرب سيناريو استنزاف روسيا عسكرياً عبر دعم أوكرانيا، واقتصادياً عبر تشديد العقوبات. وهذا بالقطع مسعى أميركي لإضعاف روسيا لعرقلة إقامة تحالف روسي-صيني قوي. ويتبين أيضاً أن روسيا قد قبلت بقواعد اللعبة التي قبلها الغرب.

ودعم الغرب بقوة أوكرانيا على كل المستويات مالياً واقتصادياً ولوجستياً وعسكرياً، وعلى اثر ذلك حقّقت أوكرانيا بعض المكاسب على الأرض في أواخر 2022، لكن ما لبثت أن فقدت تلك المكاسب، ما أدى ضمن جملة أمور إلى تراجع الدعم الغربي حتى تقلّص بصورة كبيرة مع حرب غزة.

تعد واشنطن الداعم الأهم لأوكرانيا وقاطرة الدعم الأوروبي لأوكرانيا، وجاء طوفان الأقصى الذي شكّل تهديداً شديد الخطورة على أمن إسرائيل، ليستحوذ على الاهتمام الأميركي بالكامل. إذ أصبحت أولوية الدعم العسكري لإسرائيل وليس لأوكرانيا. وبالأساس، أوكرانيا لا تمثل أهمية إستراتيجية كبرى لواشنطن-عكس ما يصور الكثيرون- فالأهمية الإستراتيجية الكبرى التي قد تستدعي تدخلاً أميركياً مباشراً يتمحور على مناطق الصراع الإستراتيجية مع الصين وتحديداً تايوان وبحر الصين الشرقي والغربي. ناهيك عن ذلك، تعاني واشنطن من أزمة اقتصادية صعبة، وقد تجلّت في خلافات الكونغرس حول أولويات الإنفاق العسكري وقانون الإنفاق العسكري الجديد الموجه بالكامل لمواجهة الصين، والذي قد خفض مخصصات الدعم العسكري لأوكرانيا.

وإن كان تراجع الدعم الأوروبي قد تأثر بصورة كبيرة بتراجع الدعم الأميركي، إلّا أن هناك أسباباً دافعة أخرى لهذا التراجع، ومن أبرزها إنهاك الميزانيات الأوروبية جراء هذا الدعم، لا سيما وهي الأخرى تعاني من أزمة تضخم كبيرة. وفتور الحماس في تحقيق أوكرانيا نصراً جوهرياً في الحرب. ويجب الوضع في الاعتبار أن ثمة تغيرات كبيرة يشهدها الغرب مساهمة بشكل قوي في انقسام الغرب على نفسه وحدوث شقاق بين أوروبا وواشنطن، مثل تنامي الشعوبية وتصاعد دور اليسار، وتراجع ثقة وسط أوروبا الشرقية في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.

ملخص البيان، إن أُفق الدعم الغربي لأوكرانيا ليست واضحة المعالم، فالغرب في معضلة كبيرة بشأن أوكرانيا. فضلاً عن مستجدات التحديات اليومية. وبالتالي، فعلى الأرجح سيستمر الدعم المنخفض لأوكرانيا جنباً إلى جنب مع دفع أطراف أخرى خصوصاً الصين لمحاولة إنهاء الحرب عبر تسوية متوازنة تحفظ ماء وجه الغرب.