استعرض التقرير الاخير لشركة الشال للاستشارات المالية، برنامج عمل الحكومة الحالية بقيادة سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ الدكتور محمد الصباح، من زاويتين، هما: التشخيص والمستهدفات.
1- زاوية التشخيص
ذكر «الشال» أن تشخيص البرنامج الحكومي يقود إلى تلمّس وعي في محتواه، بأن استمرار الحال على ما هو عليه من المحال، فهناك مخاطر لاستمرار السياسات المالية والاقتصادية الحالية، وضحيتها في المستقبل هم السواد الأعظم من الناس.
وبيّن أن التشخيص الوارد في البرناج صحيح، فقد توقع عجزاً بالموازنة يتراوح ما بين 45 – 60 مليار دينار للسنوات الخمس القادمة، وقد يصل إلى 13 ملياراً سنوياً بحلول 2033، ما يعني حاجة المالية العامة إلى سعر للنفط أعلى من 100 دولار.
ولفت إلى أنه لا سند من القطاع الخاص بوضعه الحالي ليسهم في استيعاب العمالة الوطنية القادمة إلى سوق العمل، ففي الواقع، انخفض عددها في القطاع الخاص من 74 ألف عامل في 2013 إلى 71 ألفاً في 2023، أي عكس المستهدف، وفي حال استمرار السياسات المالية والاقتصادية الحالية لا يتوقع البرنامج أن يخلق القطاع الخاص في السنوات العشر القادمة أكثر من 3 آلاف وظيفة بحلول 2033، ليبلغ عددهم فيه 75 ألفاً، بينما قد يبلغ عدد القادمين الجدد منهم إلى سوق العمل خلال تلك الفترة نحو 300 ألف مواطن، وسيعجز القطاع العام حتماً عن استيعابهم.
ورغم ارتفاع مستويات الانفاق العام، ظل نمو الناتج المحلي الإجمالي ضعيفاً فقد بدأ بمعدل نمو 1 في المئة لعام 2013 وانتهى بـ-1 في المئة في 2023، الاستثناء الوحيد كان في 2022 (9 في المئة)، بسبب الارتفاع الاستثنائي لأسعار النفط لظروف الحرب الروسية الأوكرانية.
وتشير أرقام البرنامج إلى أن سعر خام برنت كان 29 دولاراً للبرميل في 2000، وبلغ 82 دولاراً في 2023، ومن أرقام سبق لنا نشرها، ارتفع الانفاق العام من 4 مليارات دينار في السنة المالية 1999/2000، إلى 26.3 مليار للسنة المالية الحالية 2023/2024، أي تضاعف سعر برميل النفط بنحو 2.83 ضعفاً فقط، بينما تضاعفت النفقات العامة بنحو 6.58 ضعفاً، وارتفعت تكاليف الإنتاج أكثر من 5 أضعاف، وأكل التضخم معظم الزيادة.
ويذكر البرنامج في سرده لمساوئ هيكل الموازنة الحالية، أن الأجور تستهلك 57 في المئة من نفقات الموازنة من دون احتساب الدعوم (79 في المئة في حال احتسابها) أو ثلاثة أضعاف معدلها في موازنات الدول المتقدمة، وأن القطاع العام يوظف 23 في المئة من جملة العمالة (84 في المئة من العمالة الوطنية) وتلك أعلى معدلات العالم، وبيئة الأعمال الطاردة هبطت بمعدل صافي الاستثمار الأجنبي المباشر كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 0.2 في المئة فقط، وذلك ينسحب على الاستثمار المباشر المحلي.
وشدد «الشال» على أن ذلك وضع غير مستدام، ترتفع تكاليف الاستمرار فيه إلى حدود غير محتملة كلما تأخر زمن الإصلاح، والإصلاح لابد أن يبدأ أولاً مع إطفاء حريق المالية العامة، لأن الإصلاح الاقتصادي لا يمكن أن ينجح إن استمر اشتعال حريقها، وذلك ينقلنا الى فقرة المستهدفات.
2- زاوية المستهدفات:
وعن المستهدفات في البرنامج الحكومي، أضاف «الشال» بأن أي اقتصاد مثل الاقتصاد الكويتي، تعتمد ماليته العامة بشكل شبه كامل على النفط، وهو مورد دخل ناضب ويتعرض لضغوط سلبية شديدة من كل اتجاه، لابد أن يصبح إطفاء حريق المالية العامة أهم المستهدفات، وذلك ما سطره تشخيص البرنامج.
والمستهدف وفقاً للبرنامج هو إدارة السيولة المتاحة بحصافة، ففي جانب الإنفاق، لابد من حرب شرسة على هدره وفساده، وإحالة وزارة الدفاع لمخالفات مالية إلى النائب العام بداية صحيحة ومشجعة، ونعتقد بضرورة وقف حضور مدانين كبار للمناسبات الرسمية حتى تتحول مواجهة الفساد إلى نهج وعقيدة. ولابد من إعادة برمجة لهيكلته هروباً من واقع غير مستدام تقتطع الأجور والدعوم نحو 79 في المئة من إجماليه وتبلغ نفقاته الجارية أكثر من 90 في المئة.
وفي جانب الإيرادات، تتجه النية إلى تبني نظام ضريبي تدريجي يبدأ من فرض ضرائب على السلع الضارة ومشروع ضريبة أرباح على الشركات، إضافة إلى إعادة النظر في رسوم أملاك الدولة، وهذا مستهدف كررته كل خطط التنمية وبرامج الحكومات السابقة، الفارق في برنامج الحكومة الحالية هو الوعي بمخاطر، ليس فقط عدم المضي في الاصلاح، وإنما مجرد تأخيره ولو قليلاً قد يجعل تكاليفه غير محتملة على عامة الناس، شاملاً فقدان استدامة نظام التأمينات الاجتماعية، وذلك توجه صحيح.
وأضاف: في الجانب الاقتصادي، يستهدف البرنامج مواجهة خلله الهيكلي الناتج عن هيمنة عالية التكلفة ضعيفة الإنتاجية للقطاع العام، وهو أمر لا يمكن استدامته، ويهدف إلى فتح شراكة مع القطاع الخاص المحلي والأجنبي لإعادة توازنه، ما يمنح الاقتصاد فرص عمالة مواطنة خارج القطاع العام، ووعاء ضريبياً ينمو مع الزمن لمواجهة خلل ميزاني العمالة والمالية العامة، وهو ما سطره البرنامج في مشروعه قصير الأمد لأول مئة يوم، وبرنامج الإصلاح طويل الأمد شاملاً إعادة بناء رأس المال البشري الذي هُدمت قيم الالتزام والإنتاج والولاء الحقيقي لديه، ونعيد التأكيد على أن المحك هو التنفيذ بعد أن تميزت الحكومة الحالية عن غيرها بمستوى وعيها.
4 ملاحظات جوهرية على البرنامج
- الإصلاح المالي يحتاج إلى إعادة نظر في دور الصندوق السيادي، بتعزيز قوي واحترافي لإدارته، وإعادة بناء استثماراته وتغيير وظيفته ليصبح مصدر دخل رديفاً مستداماً أسوة بالصندوق النرويجي، ومن دون المساس بأصله والحرص على تنميته.
- إعادة النظر في جيش الهيئات والمؤسسات والأجهزة واللجان الدائمة، التي يفوق عددها 50، سواء بالدمج أو الحل، لأن معظمها يعمل كمراكز توظيف ولا تحقق أهدافها، وتشكل هدراً كبيراً للنفقات العامة.
- التوقف عن تأسيس هيئات ومراكز حكومية جديدة والاستفادة من المتوافر منها بتغيير الأغراض وحوكمة العمل.
- عدم الخوف من صلابة الموقف، فالقيم في البلد للأسف باتت مقلوبة، من مؤشراتها الجدل الحالي حول بصمة المعلمين، وصلابة الموقف المبدئي إن تحققت تستحق كل الدعم.
غلبة التداول في البورصة للمواطنين
ذكر «الشال» أن من خصائص بورصة الكويت الاستمرار كونها بورصة محلية، فقد كان المستثمرون الكويتيون أكبر المتعاملين فيها، إذ باعوا أسهماً بقيمة 1.321 مليار دينار مستحوذين بذلك على 89.4 في المئة من إجمالي قيمة الأسهم المُباعة (84.0 في المئة يناير)، في حين اشتروا أسهماً بقيمة 1.288 مليار مستحوذين بذلك على 87.2 في المئة من إجمالي قيمة الأسهم المُشتراة (84.1 في المئة يناير)، ليبلغ صافي تداولاتهم الأكثر بيعاً بنحو 33.031 مليون.
ومن خصائصها أيضاً على مستوى التداول المحلي استمرار الغلبة للتداولات المؤسسية على حساب التداولات الفردية، وهو تطور إيجابي إن استمر، وقد لا يستمر إن أصبحت تداولات البورصة أكثر نشاطاً والواقع أن حصتهم بدأت في الارتفاع في يناير وتداولاته نشطة، فالأفراد أسرع في قراراتهم وأكثر رغبة في أخذ المخاطر.