ما وراء ساحة حرب غزة... الطريق الشائك للسلام

1 فبراير 2024 10:00 م

في خضمّ الحرب الدائرة والتي تشمل مسارح عدة في الشرق الأوسط، يبدو أن الولايات المتحدة وعلى الرغم من مكانتها العالمية، غير قادرة على وقْف العمليات العسكرية في قطاع غزة وإنهاء الأعمال العدائية التدميرية على الجبهات كافة.

وما يزيد من تَفاقُمَ الوضع، الغطاء الأميركي الذي يُقدَّم لإسرائيل مهما ارتكبتْ من جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية وانتهاكاتٍ لاتفاقية جنيف، ليَظهر تآكُل الأخلاق والصدقية على المسرح العالمي.

وفي هذه الأجواء، يضع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خطة «ما بعد حرب غزة».

إلا أن الحربَ الدائرة التي تَسَبَّبَتْ بقتل أكثر من 27 ألف فلسطيني وجرْح ما يزيد على 70 ألفاً آخرين، يثير التساؤلات حول توقيت هذه المقترحات وإمكان تطبيقها.

ومع عدم تحقيق الجيش الإسرائيلي المحتلّ أي نتائج حاسمة بعد نحو 4 أشهر من الحرب، فإن رؤية نتنياهو سابقة لأوانها وغير قابلة للتطبيق.

وتعكس هذه الإستراتيجية، نهجَ نتنياهو متعدّد الوجه لحل الصراعات الإقليمية، من إنشاء حكومة عسكرية في غزة لإدارة الشؤون المدنية، إلى تشكيل تحالف عربي لدعم السلطة الفلسطينية الجديدة التي تهدف لتقليل التوترات.

وتنص خطة نتنياهو على نقل الحكم من إسرائيل إلى مسؤولين فلسطينيين جدد غير منتسبين إلى الفصائل الرئيسية (فتح، حماس، الجبهة الديموقراطية، الجهاد، والجبهة الشعبية...) مع حفاظ إسرائيل على شنّ العمليات الأمنية (وهذا يعني قتل واعتقالات كما تراه مناسباً تحت عنوان الحفاظ على أمنها).

ويختم رئيس الوزراء بالجزرة: الاعتراف بدولة فلسطينية خلال أربع سنوات.

ويعود السبب وراء عدم إيمان الفلسطينيين بـ «حل الدولتين»، إلى أن إسرائيل لا نية لديها للتعايش مع دولة فلسطينية مستقلة وبحقوق متساوية لسكان الدولتين.

ولم يُخْفِ نتنياهو، زعيم حزب الليكود الحاكم منذ عقود، نياته المتجذرة تجاه الفلسطينيين. إذ يعبّر برنامج الحزب لعام 1977 عن موقف واضح وحاسم في شأن السيادة الإقليمية والأمن القومي والإستراتيجية الديموغرافية. ويضع حركة الاستيطان كـ «تحرك أساسي من التراث التاريخي والأخلاقي للأمة».

وهذه الرؤية، كما هي مفصّلة على موقع «الليكود» الرسمي مازالت تمثل هوية الحزب وإستراتيجيته السياسية.

ويدافع «الليكود» عن رؤيته لمستقبل إسرائيل وعن «السيادة المطلقة على أرض إسرائيل كاملة من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط»، وعن مبدأيْن أساسييْن، «حق الشعب اليهودي غير القابل للتصرف في وطن أجداده»، و«الأهمية الإستراتيجية للاستيطان كوسيلة لتحقيق الأهداف الصهيونية وتعزيز الأمن القومي».

وتحت شعار «حق الشعب اليهودي في أرض إسرائيل»، تؤكد عقيدة «الليكود» على «المطالبة الخالدة التي لا تقبل الجدل بحق الشعب اليهودي بأرض إسرائيل».

ويعارض بشدة أي «تنازل عن الأراضي خصوصاً في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)». وينظر إلى«أي إقتراح يؤدي إلى التنازل عن الأراضي أو إقامة دولة فلسطينية، بوصفه تهديداً مباشراً لأمن إسرائيل ووجودها».

ويمثل الاستيطان أهمية إستراتيجية وعقيدة مركزية للرؤية الصهيونية التي تهدف لاحتلال جميع الأراضي كمَصدر قوة للشعب الإسرائيلي لجذب الشتات لإسرائيل.

لذلك، يبدو أن تحقيق السلام يشكل تحدياً لا يمكن التغلب عليه، ليس لافتقار الجهد والرغبة من جانب دول عدة خارجية، بل بسبب التفاعل المعقّد بين المواقف المتعنتة والمَظالم التاريخية والحاضرة ضد الشعب الفلسطيني.

لقد أصبحت عملية السلام التي أشارت إليها اتفاقية أوسلو، لوحةً من الوعود التي قضت على جميع الآمال للشعب الفلسطيني.

ويؤكد ذلك خطاب نتنياهو الذي يرفض الالتزام بأي اتفاق مع الفلسطينيين لتحقيق استقلالهم التام. وهذا لا يقتصر على صراع على الأرض أو السيادة فقط، بل هو صراع عميق على الهوية والحقوق التاريخية الراسخة.

وتشكل الحرب الدائرة والحصار الخانق للفلسطينيين والتوسّع الاستيطاني المتواصل واندلاع أعمال العنف حتى في الضفة الغربية، تذكيراً بالفشل الذريع للولايات المتحدة كشريك في عملية السلام وكقوة مهيمنة أحادية تفرض الأمن، وقد تضررت سمعتها بشدة في هذه الحرب لفشلها في إنهائها وتفضيلها إسرائيل على مكانتها الدولية كصانعةٍ للسلام.

في هذه الملحمة الطويلة من الصراع، ينطوي الطريق إلى السلام على إعادة تعريفٍ جذرية للعلاقات وإعادة كتابةٍ للتاريخ والاستعداد الجَماعي لمعالجة الجِراح العميقة.

إن الرحلةَ الشاقة نحو السلام لا تتطلب وقف الأعمال العدائية فقط وإعادة رسم الحدود، بل تتطلب تَحَوُّلاً عميقاً في قلوب وعقول الطرفين اللذين يعتبران أرض فلسطين هي وطنهما.