مجموعة عوامل تشير إلى أنه لن يكون لها الفعالية التي يتوقعها الحزبان «الجمهوري» و«الديموقراطي»
العقوبات الجديدة على إيران... «جعجعة بلا طحين»
1 يناير 1970
11:25 ص
| محمود عبده علي* |
يشكك كثير من المحللين الأميركيين في فاعلية العقوبات الأميركية ومقدرتها على إثناء طهران عن طموحاتها النووية، فرغم أن العقوبات قد فرضت تكاليف كبيرة على طهران،** فإنه من الواضح أيضاً، كما تقول الباحثة الأميركية المتخصصة في الشؤون الإيرانية سوزانا مالوني، أنه ورغم من مدة ونطاق الضغوط الاقتصادية الأميركية على إيران، فإن العقوبات لم تنجح في تحقيق هدفها النهائي، وهو التأثير على السياسة الخارجية الإيرانية. وترجع مالوني في دراسة لها تحت عنوان «فرض عقوبات على إيران: لو كان الأمر بهذه البساطة!» نشرت في دورية «واشنطن كوارتيرلي» عدد يناير 2010، فشل العقوبات إلى ثلاثة أسباب رئيسة تتمثل في:
الطابع الأحادي للعقوبات
طوال 30 عاماً، كما تقول مالوني، لم تحظ العقوبات التي فرضتها واشنطن على طهران إلا بحد أدنى من تعاون المجتمع الدولي بما في ذلك حلفاء الولايات المتحدة الرئيسيين. وتضرب مثالاً على ذلك بأزمة الرهائن، ففي ذروة الأزمة رفض حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيون التماسات واشنطن بالانضمام إلى العقوبات متعددة الأطراف ضد النظام الثوري، وبدلاً من ذلك لم يفرض الأوروبيون إلا قيوداً محدودة على التجارة مع إيران. والمفارقة أنه مع استحكام العداء بين الولايات المتحدة وطهران، فإن التجارة الأوروبية مع النظام الثوري قد شهدت توسعاً كبيراً، بل وتخلت أوروبا عن العقوبات المتواضعة التي فرضتها إبان أزمة الرهائن.
ومنذ تلك الأعوام المبكرة، لم تترجم المخاوف الأوروبية، وفقاً لمالوني، حول السياسة الخارجية الإيرانية إلى أي رغبة موازية في إنهاء العلاقات الاقتصادية التاريخية مع إيران. وبمرور الأعوام أخذت علاقات إيران الاقتصادية في التمدد وأصبحت أكثر تعقيداً، ومن ثم فإن الاعتماد على الحلفاء في فرض عقوبات على إيران أصبح أكثر صعوبة. ورغم الحديث الصارم لأوروبا فإنه ليس من الواضح ما إذا كانت لديها رغبة واضحة في فرض عقوبات على إيران. وما ينطبق على أوروبا، ينطبق على كل من روسيا والصين، فالدولتان لديهما علاقات اقتصادية قوية مع طهران، كما أنهما تعارضان أي عقوبات صارمة ضد النظام الثوري.
التدابير المضادة الإيرانية
السبب الثاني لعدم فاعلية العقوبات من وجهة نظر مالوني هو التدابير المضادة التي اتخذتها طهران. وفي الحد الأدنى كان التحدي الإيراني لفظياً يقوم على أساس إنكار أي أثر للعقوبات على الاقتصاد الإيراني، بل إن الحظر الأميركي المفروض على إيران منذ ثلاثين عاماً يعد مصدر فخر للمسؤولين الإيرانيين.
إضافة لذلك، يشدد المسئولون الإيرانيون دائماً على أن فرض العقوبات قد أفاد إيران عن طريق تعزيز قدراتها المحلية وسيادتها. وفي هذا السياق شددت إيران على أن خطط الولايات المتحدة لتقييد مبيعات البنزين المستورد من شأنها أن تعزز برنامج الإصلاح الاقتصادي للحكومة الإيرانية. وكما قال سعيد جليلي، كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين في حوار مع صحيفة ألمانية قبيل الاجتماع مع ممثلين من دول (5+1): «لقد عشنا مع العقوبات لمدة 30 عاماً. هم لا يستطيعون أن يدفعوا أمة عريقة مثل إيران إلى أن تجثو على ركبتيها»، مضيفاً «إنهم لا يخيفوننا، على العكس من ذلك، إننا نرحب بعقوبات جديدة من شأنها الحد من الاستهلاك وزيادة الاكتفاء الذاتي»!
وبعيداً عن هذا الموقف الرمزي، فقد سعت إيران إلى الحد من تأثرها بالضغوطات الاقتصادية الخارجية عبر مجموعة من التكتيكات، ففي الآونة الأخيرة، دشن المسؤولون الإيرانيون مجموعة متنوعة من الخطط الرسمية من شأنها الحد من استهلاك البنزين، وتعزيز استخدام الغاز الطبيعي المضغوط في قطاع النقل، إلى جانب تنمية الإنتاج المحلي من الغاز.
السياسة الأمنية تواجه الضغوط الاقتصادية
تشير مالوني إلى أن الضغوط الاقتصادية وحدها غير قادرة على إدخال تعديلات جوهرية على السياسة الخارجية الإيرانية، لاسيما بشأن القضايا التي تعتبرها القيادة الإيرانية مركزية بالنسبة لأمن الدولة وبقاء النظام. بل إن العقوبات من شأنها أن تزيد من تماسك النظام ومن الدعم الشعبي الذي يحظى به.
وتنتقد مالوني الحجة القائلة بأن العقوبات يمكن أن تقدم فائدة معينة في فرض تغيير في القيادة الإيرانية، فهذه الحجة «لا يوجد لها أساس في التاريخ أو في الخطاب الحالي لزعماء المعارضة. فالإيرانيون دائماً ما عبروا عن استيائهم من حكومتهم والعقوبات وما تنتجه من تأثير على الاستثمار والعمالة وفرص التفاعل الدولي».
ورغم من أن النظام يواجه تحدياً داخلياً لم يواجهه من قبل، وفقاً لمالوني، فإن افتراض أن العقوبات من شأنها أن تعزز المعارضة تبدو محدودة في أحسن الأحوال، وذلك لأن العقوبات لن تحل أكبر العقبات التي تواجهها المعارضة وهي عدم وجود استراتيجية متماسكة، وكذلك قدرة النظام المستمرة على القمع.
عقبات أمام جهود الكونغرس
وإضافة إلى الأسباب التي طرحتها سوزانا مالوني، أشار GAL LUFT رئيس هيئة تحرير دورية أمن الطاقة الصادرة عن «معهد تحليلات الأمن العالمي» في عددها الصادر في أغسطس 2009 إلى أن العقوبات التي تستهدف قطاع الغاز في إيران قد لا تكون ذات فاعلية كبيرة. ويرجع ذلك إلى مجموعة من التغيرات التي شهدها قطاع الطاقة الإيراني وهيكل الاستثمارات به خلال عام 2009، تتمثل في:
أولاً: انخفاض واردات البنزين الإيرانية إلى حوالي 25 في المئة من الاستهلاك المحلي خلال عام 2009، ومن المرجح ألا تتجاوز هذه النسبة حوالي 15 في المئة خلال العام الجاري 2010. وبحلول عام 2012 سوف تتمكن طهران من الاكتفاء ذاتياً من إنتاج البنزين المكرر إذا استمر نمو الصناعات التكريرية على مستواه الراهن. ويتوازى ذلك مع إعلان الحكومة الإيرانية عن برنامج للاعتماد على الغاز الطبيعي كبديل للبنزين في السيارات والمصانع مع توفير دعم حكومي كامل لهذا الاتجاه خاصة وأن إيران تمتلك ثالث أكبر احتياطيات للغاز الطبيعي في العالم بما يقدر بحوالي 16 في المئة من إجمالي الاحتياطات العالمية ومن ثمَّ تمََّ إحلال حوالي 10 في المئة من استهلاك البنزين المحلي بالغاز الطبيعي ومن المرجح أن تتصاعد هذه النسبة بالنظر إلى انخفاض سعر الوحدة الحرارية من الغاز بالمقارنة بالبنزين.
ثانياً: إن الشركات الأميركية لا تعد بأي حال من الموردين الرئيسيين للبنزين المكرر لإيران وإنما تشمل قائمة الموردين شركات أوروبية وصينية مثل شركة «فيتول» السويسرية وشركة «توتال» الفرنسية والشركة البريطانية للبترول، وشركة «ريلاينس» الهندية، وهذه الشركات الخاصة قد تلجأ لتأسيس فروع مستقلة لها بإيران لتوريد البنزين بحيث لا تتأثر بالعقوبات الأميركية لأنها سوف تعتمد على التمويل والضمانات البنكية الإيرانية.
ثالثاً: تعتمد إيران على الاستثمارات الصينية في برنامجها لتوسيع نطاق صناعاتها التكريرية وتقوم شركة «سينوبك» الصينية في المرحلة الراهنة بزيادة القدرة الإنتاجية لمصانع التكرير الإيرانية في «تبريز» و«شازاند» بإضافة حوالي 3,3 مليون جالون يومياً لإنتاجهما من البنزين، كما أن اتجاه إيران للاستثمار في معامل تكرير مشتركة خارج أراضيها في ماليزيا وإندونيسيا وسورية سوف يؤدي لمضاعفة إنتاجها اليومي من البنزين.
رابعاً: تعد إيران من أكبر الدول المنتجة للميثانول في العالم وهو أحد مشتقات الإيثانول الذي يتم اشتقاقه من المنتجات الزراعية إلا أن إيران تعتمد على الفحم والغاز الطبيعي في إنتاجه، ولدى إيران حوالي 4 معامل كبرى لإنتاج الميثانول وتقوم حالياً بإنشاء معملين جديدين لزيادة طاقتها الإنتاجية من الميثانول بحوالي 60 في المئة.
خامساً: وقعت إيران في مايو 2009 تعاقدات مع باكستان لإنشاء خط أنابيب غاز لإمداد السوق الآسيوي بالغاز الإيراني، كما أعلن وزير البترول الهندي عن رغبة بلاده لمد خط الغاز الإيراني إلى نيودلهي للاعتماد على واردات الغاز الإيراني في توليد الكهرباء وتواكب ذلك مع توقيع طهران لتعاقدات مع تركيا لربط القارة الأوروبية بخط غاز إيراني يمر بمنطقة تركمنستان ليرتبط مع خط الغاز الأوروبي الجديد في نابوكو Nabucc الذي يمكن أن يدفع بصادرات الغاز الإيرانية لقلب القارة الأوروبية، ومن ثم يمكن لإيران المساومة لفترة طويلة لاستبدال واردات البنزين بصادرات الغاز مع شركائها في أوروبا وآسيا.
ومن ثم يمكن القول إن العقوبات الأميركية التي يسعى الكونغرس لفرضها على طهران لن تكون بالفاعلية التي تتصورها القيادات في الحزبين «الجمهوري» و«الديموقراطي»، كما أن تطبيقها على الشركات والمؤسسات الأجنبية لن يكون يسيراً بالنظر إلى قدرة تلك المؤسسات على إنشاء فروع مستقلة لها في إيران تتولى عمليات الشحن والتأمين المالي كافة المصاحبة لاستيراد طهران للبنزين، كما أن الاستثمار في قطاع الطاقة الإيراني قد أضحى مصلحة وطنية بالنسبة لبعض الدول خاصةً الصين وروسيا، ومن ثم تعارض تلك الدول تصعيد الضغوط الاقتصادية على إيران لارتباطها بشراكة تجارية متعددة المسارات مع طهران.
* عن «تقرير واشنطن»< p>< p>