مصر تتصدى بجدارة لمخطط إسرائيل
ضرب أمنها في حربها الإلغائية على الفلسطينيين
| بقام - إيليا ج. مغناير |
9 ديسمبر 2023
10:00 م
،
لم يَعُدْ هناك شكٌّ في أن توتراً كبيراً ظَهَرَ في العلاقات المصرية - الإسرائيلية. إذ صدر من القاهرة، بيانٌ واضحُ أكد أن التهجيرَ القسري للفلسطينيين الذي تحاول إسرائيل القيام به إلى سيناء، هو «خط أحمر لن تسمح مصر بتخطيه مهما كانت النتائج، لمساسه بالأمن القومي»، خصوصاً أن الدولة المصرية تملك جميع الأدوات للحفاظ عليه وعلى سيادة أراضيها.
إذاً، هناك محاولة إسرائيلية لتخويف مصر بإعلان تل أبيب منذ اليوم الأول للحرب عن نياتها بتهجير سكان قطاع غزة إلى شبه جزيرة سيناء. وهذا ما لا يَخفى على القاهرة، التي تدرك نيات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحلمَه بالتخلص من جميع الفلسطينيين الموجودين على أرض فلسطين في غزة والضفة الغربية والقدس. لكن ماذا يحاك أكثر من ذلك خلف الكواليس ضدّ مصر وليس فقط الفلسطينيين؟
منذ يوم الثامن من أكتوبر، صَدَرَ بيان عن الرئاسة المصرية بأنها ضدّ تهجير الفلسطينيين من غزة وأنها لن تسمح بهذا الأمر على الإطلاق.
ومن المؤكد أن تحليلَ موقف مصر يؤكد فهْم قيادتها لعمق تداعيات الحرب على غزة وما يُخبّأ خلف مسألة تهجير الفلسطينيين. ولهذا نشطت الديبلوماسية المصرية بين الدول العربية كافة لتدعو إلى اجتماعٍ كي يتكتّل جميع العرب ضد المشروع الصهيوني بفتْح جبهة غير مباشرة مع مصر من خلال تهجير الفلسطينيين.
لكن إسرائيل لم تسكت عن الأمر، فهي تمنع وتعرقل المساعدات المصرية إلى غزة في محاولةٍ لإيجاد جوّ من العداء وشرْخٍ بين الفلسطينيين ومصر، ولينعكس ذلك على الذين لا يعلمون خفايا الأمور والنيات الشيطانية الإسرائيلية لمعاودة التدخل في الشؤون والسيادة المصرية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن إسرائيل تضغط على الدول الأوروبية التي تتعامل مع مصر وصندوق النقد الدولي - ومعها أميركا وبريطانيا وفرنسا - لتعرقل أي اتفاق مالي مع القاهرة. علماً أن هذه الدول عرضت زيادة كبيرة في القرض مع اغراءات مالية كبيرة إذا أبدت مصر مرونةً بالنسبة لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء وهو الأمر الذي رفضته مصر.
إذاً، فإن مصر تعلم أن هناك وجهين لإسرائيل بمخططها الحالي الهادف لتصفية القضية الفلسطينية والعودة إلى احتلال أراضٍ مصرية. وبالنسبة للنقطة الأولى، فإذا تهجَّر فلسطينيو القطاع إلى مصر، فستكون الخطوة الإسرائيلية التالية تهجير الفلسطينيين من الضفة إلى الأردن. وتالياً تُحقق تل أبيب جزءاً من حلمها بالسيطرة على جزء كبير من «الأرض الموعودة» والتي لا تقف عند حدود فلسطين بل تمتدّ إلى الأردن ومصر ولبنان وسورية وجزء من العراق. وتالياً فإن نتنياهو يحضّر سياسته الحالية للأجيال الإسرائيلية المقبلة.
وهنا تبرز النقطة الثانية والأهمّ بالنسبة لمصر، ألا وهي معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية الموقّعة عام 1979. من هنا، إذا دفعتْ إسرائيل الفلسطينيين إلى شبه جزيرة سيناء، فهي تخرق معاهدة السلام أولاً.
وتالياً، أن وجود الفلسطينيين خارج فلسطين ومنْع إسرائيل عودتهم - كما نصّ قرار الأمم المتحدة رقم 194 الصادر في 10 ديسمبر 1948 - لديارهم منذ النكبة عام 1948 سيتكرّر حكماً إذا أُخرجوا من غزة، إذ من البدهي ألا يُسمح بعودتهم.
ومن الطبيعي أن يسلّح الفلسطينيون أنفسَهم للقيام بعمليات ضد المحتلين الإسرائيليين، ما سيعرّض أمنَ مصر للخطر وكذلك الاتفاقية الإسرائيلية - المصرية، وسيدفع إسرائيل لمحاولة خرق حدود وسيادة مصر، وستعمل تل أبيب على تحميل القوات المصرية مسؤولية تطويق الفلسطينيين نيابةً عنها أو تحصل عمليات اسرائيلية ضد الفلسطينيين هناك لتعود عقارب الساعة إلى الوراء.
وقد تَحَسَّبَتْ مصر للفخ الإسرائيلي - الأميركي - الأوروبي بجدارة، وهي ترفض المغريات، لأن استقرارها «أغلى من أي ثمن»، وأن قتال مصر للفلسطينيين غير وارد لأن ذلك من شأنه ضرب استقرار الدول العربية بأجمعها لتتفرّج إسرائيل على خلافات العرب الداخلية.
ولا تملك إسرائيل دستوراً خاصاً بها ولا حدوداً تعترف بها، وتالياً فإن مشروعها الأول الآني هو التخلص من جميع الفلسطينيين في الدرجة الأولى. وهذا المخطط يتماشى مع تهجيرهم القسري إلى سيناء لإضعاف مصر والدول العربية الأخرى ولتنتهي من القضية الفلسطينية وتتحوّل إلى لبنان وسورية بعد تهجير فلسطينيي الضفة والقدس إلى الأردن.
إلا أن الأمور مرتبطة بنجاحها في الميدان الذي يملك الكلمة الأخيرة والذي سيرْسم خريطة الشرق الأوسط الجديد.