عبد الرحمن عبد المولى الصلح / لبنان بين الثابت والمتحوّل!

1 يناير 1970 07:22 ص
قم يا رياض الصلح حاربْ

عبث الأحبة والأقارب

أخذوا مفاتيح البلاد

وسلّموها للأجانب

(الكلمات أعلاه، كتبها شخص مجهول على قاعدة تمثال المغفور له الراحل الكبير الرئيس رياض الصلح، إثر حوادث العام 1958)

لم يكن التصريح السوري الأخير، حسب ما نقلت صحيفة «النويوركر» الأميركية، بضرورة تغيير النظام اللبناني الموّلد منذ تأسيسه للأزمات والحروب الأهلية مخطئاً، ذلك أن طبيعة النظام الطائفي تحمل في جيناتها مظاهر الانقسام والفرقة. لكن المأخذ على الاقتراح السوري أنه قد يوصف من ناحية المبدأ تدخلاً في شؤون بلد آخر! ولكنّ ثمة قائل، وهل اقتصر التدخل، فقط على ذلك الأمر؟

ويبدو أن «أخوية» العلاقات اللبنانية السورية (ممنوع استعمال كلمة نديّة!) تسمح للمسؤولين السوريين ما لا تسمح به لغيرهم من المسؤولين العرب وغير العرب بأن يطلقوا ما يشاؤون من تصريحات في حق النظام اللبناني وضرورة تغييره. لكن، هذا لا ينطبق حكماً على «الأخ» اللبناني الذي يحرص على عدم التدخل في الشأن السوري الداخلي، ليتجرأ ويطرح على سبيل المثال لا الحصر النقاش على وضع الأكراد في سورية وما يرافق قضايا الحريات الصحافية والسياسية من صعوبات.

ويبدو، أن «أخوية» العلاقة بالمفهوم السوري تنطلق من مبدأ أنه من واجب الأخ الأكبر أن يوّجه التعليمات للأخ الأصغر، خصوصاً إذا كانت طبيعة الأخ الأكبر عسكرية النشأة والسلوك. في تعليقه على مخطوطة كتاب الدكتور أحمد بيضون «رياض الصلح في زمانه»، يذكر حازم صاغية («الحياة» الثلاثاء 5/01/2010) أنّ علاقة الرئيس رياض الصلح، مع دمشق حكمها المنطق التسووي، الى أنه مع بدء المرحلة الانقلابية وتسلّم العسكر مقاليد الحكم، ابتداء بحسني الزعيم فقد الرئيس رياض الصلح قدرته على التوسط إذ لا تسوية من دون تسووين». من هنا، فلا ضرورة للغرابة أو التساؤل عن أحكام المسؤولين السوريين بحق النظام اللبناني، طالما أن الخلفية ذات بعد سلطوي، وإن غلّفها ستارٌ من الأخوية، والتي بالفعل نتمنى ونشتهي أن تحكم العلاقات بين البلدين، ولكنّ انطلاقاً من مفهوم مشترك، «للأخوية» لا يخالفه لبس أو غموض.

والحق، فإن التصريح السوري قارب نصف الحقيقة وليس كلها. ولكي يكون موضوعياً وتكتمل الصورّة كنّا نتمنى عليه لو تم الاسترسال بالحديث الصحافي مع الصحيفة الأميركية بالقول إن تدّخل «الخارج» منذ استقلال البلد، كان العامل الحاسم في تصدع الوضع الداخلي، وصولاً إلى حروب أهلية، ولو كفّ «الخارج» عن ذلك السلوك، لشهد لبنان استقراراً دائماً، وتمكّن من تخطي الانقسامات الطائفية التي يغذيها «الخارج» لخدمة مصالحه. لكن مع الأسف لم يصرح بذلك!

إن المعادلة واضحة وبسيطة، بقدر ما هي معقدة: إما أن يكفّ الخارج عن التعاطي في شؤوننا الداخلية (ولقد نجحت التجربة الشهابية في ضمان ذلك، مما أمّن للبلاد والعباد استقراراً لأعوام عدة...) أو أن يكفّ الداخل عن التعامل مع الخارج واستدراجه لتقوية موقعه على حساب الآخرين! هل من ضرورة للتذكير، بأنّ هناك من عرّقل انتخاب رئيس الجمهورية أشهراً ستة، وأن جهةً ما لم تألُ جهداً لتأخير تشكيل حكومة الرئيس سعد الحريري؟ هذا، كي لا نستفيض بالأسئلة على شاكلة: كيف بزغ نجم الطيب الذكر شاكر العبسي؟ ومن أيقظ أبو موسى من سباته العميق وأرسله الى بيروت؟ وبما أن الشيء بالشيء يُذكر، فمن عدم الإنصاف إهمال تصريح المفاوض الإيراني، الذي صرح أثناء مفاوضات المجموعة الدولية في فينا (19-10-2009) بأنه باستطاعة إيران تأليف الحكومة اللبنانية في غضون 24 ساعة! ولقد صدق وعده. ولكن تلك الـ 24 ساعة وُظّفت في نهاية الـ 134 يوماً ليجتمع الحلفاء في حضرة أمين عام «حزب الله»، ويزفوا لنا موافقتهم على الاشتراك في الحكومة. وكلّما تعقدت المفاوضات بين المجموعة الدولية وطهران على النووي وضع اللبنانيون أيديهم على قلوبهم وانتظروا رد فعل «حزب الله»، ذلك أن الإجماع العام الذي لا لبس فيه بأن سلاحه هو سلاح إقليمي. لذلك، يتساءل المرء عن جدوى إثارة الموضوع، هذا في حال إثارته، على طاولة الحوار التي أضحت الملاذ الأخير لعدم بت المواضيع والاستغراق في مناقشتها إلى ما لا نهاية.

إذاً يمكن ملاحظة، ما يُسمى بظاهرة «الثابت» و«المتحول» التي أضحت ملازمة لسلوكيات النظام اللبناني، والذي غالباً ما شكلت العامل الأساسي لتخلخله وعدم استقراره، فأصبح التدخل الخارجي في الشأن الداخلي اللبناني هو «الثابت»، أما «المتحول» فهو «طبيعة» الخارج وأهدافه، إضافةً إلى تغيير التحالفات التي تعقدها قوى «الداخل» مع «الخارج»! الأمر الذي عرّقل مسيرة الديموقراطية اللبنانية فأضحت مقيدة بأغلالٍ خارجية (إقليمية تحديداً) إضافة الى الأغلال الطائفية والمذهبية التي استجدت أخيراً ولا ننسى الأغلال التوافقية إثر «اتفاق الدوحة». منذ أسابيع، انشغل اللبنانيون بتتبع أخبار «الصندوق الأسود» للطائرة الأثيوبية المنكوبة. والثابت أن لونه ليس أسود، بل برتقالي. لكنّه سُمي «بالصندوق الأسود» لأنه يحتوي على أسباب وأسرار الكوارث الجوية. والسؤال: ماذا عن «الصندوق الأسود» لبعض قوى الداخل؟ متى، وأين، سوف تكشف أسرارهم/ أم أن الأمر أصبح مكشوفاً، بحيث لا ضرورة لصندوق مهما كان لونه؟

الثابت أن البلد أضحى أسير الترتيبات الإقليمية، فإلى حين الوصول إلى التسوية السلمية بين دمشق وتل أبيب، واستتباب الأمر بين الغرب وطهران، فعلى اللبنانيين أن يتلقفوا السهام التي تطلق من هنا وهناك على نظامهم السياسي، وأن يتحلوا بالصبر، اللهم إلا إذا كان بعض «الداخل» يتخلى عن تمثيله لمصالح «الخارج». وبما أن ذلك يتطلب أعجوبة، قد تكون إلهية (!) لأن الأمر مستبعد، وعليه، يبدو أن قدر هذا البلد أن يبقى مصلوباً على خشبة الممانعة ومحاربة الاستكبار العالمي!



عبد الرحمن عبد المولى الصلح

كاتب لبناني