د. عبداللطيف محمد الصريخ / زاوية مستقيمة / «الصندوق الأسود» الحكومي

1 يناير 1970 05:01 م
عادة تبحث السلطات عند تحطم طائرة على أراضيها عن «الصندوق الأسود»، وهو بالمناسبة ليس أسود اللون، ففي الغالب يكون برتقالياً أو أصفر اللون ليسهل تمييزه بين أنقاض الطائرة وركامها، وهناك صندوقان أسودان في كل طائرة، أحدهما لتسجيل المعلومات الرقمية والبيانات الفيزيائية، كالارتفاع والضغط ودرجة الحرارة وسواها، والآخر يسجل الحوارات والسجالات كلها التي تتم أثناء التحليق جواً.

هذا «الصندوق الأسود» مصمم ليتحمل ظروفاً في غاية القسوة، فهو يحتفظ بتلك المعلومات والبيانات والتسجيلات الصوتية لمدة 30 يوماً تحت أعماق المحيطات، ويقاوم الانفجارات المروعة أو عند ارتطامه بالأرض بعد السقوط الحر من عشرات الكيلومترات.

«الصندوق الأسود» مصطلح يستخدم أيضاً في علم الأنظمة والضبط والتحكم، وهو يعني «حال» عدم معرفة طريقة عمل أو نموذج أو عملية ما في جهة عمل ما، فتبدو العملية غامضة الظروف والمعطيات، بينما يطلق على العمليات الواضحة المدخلات والمخرجات عمليات الصندوق الأبيض أو الصندوق الشفاف.

والسؤال: هل الصناديق الحكومية شفافة بيضاء أم سوداء؟ سؤال في قمة البراءة، أليس كذلك؟ وجوابه نعم بكل تأكيد، فالمعلومات متاحة، ولله الحمد، والشفافية موجودة، الله لا يغير علينا إلا للأفضل، وما تريد معرفته كله عن الخدمات الحكومية المقدمة تجده فوراً تحت بنان اصبعك السبابة فقط، تصدق! عموماً الأمر يرجع إليك.

تخيلوا معي أن مفهوم «الصندوق الأسود»

الخاص بالطيران يمكن تطبيقه في بيئة العمل الحكومية، فحوارات اللجان وفرق العمل كلها مسجلة حرفاً

حرفاً، وما يدور كله في المكاتب المغلقة وأروقة الوزارة

موثق كلمة كلمة، وما يحاك كله من مؤامرات زيد ضد

عبيد في الحفظ والصون، يمكن الرجوع إليها وقت

الحاجة.

أعلم أنها فكرة جنونية، لو طبقت على أرض الواقع لأصبح حل كثير من المسائل والقضايا الشائكة سهلاً للغاية، ولو تم تغيير الوزارة كل يوم لأصبح بإمكان الوزير الجديد أن يعرف الصالح من الطالح بمجرد الرجوع إلى ذلك الصندوق الأسود، الذي سيكون مليئاً بأسرار ليس لها آخر، وأنا هنا أسجل اقتراحي مع ضرورة تغيير اللون الأسود إلى اللون الوردي، خصوصاً في بيئة الأعمال ذات الطابع النسائي، ليتناسب مع الذوق العام.



د. عبداللطيف الصريخ

مستشار في التنمية البشرية

[email protected]