«عملية نوعية» للمقاومة الفلسطينية تضرب معنويات إسرائيل في العمق
| بقلم - إيليا ج. مغناير |
30 أكتوبر 2023
10:00 م
لم يعد هناك أدنى شك، في أن عملية الهجوم البري، التي تسميها إسرائيل «مناورة برية» تتقدم كل يوم على جبهة مدينة غزة. ومن اللافت أن الدبابات تحاول فصل مناطق شمال غزة عن جنوبها من خلال المناورة في حي الزيتون، بينما مازالت تناور في حي الشجاعية وتقصف المناطق التي تريد دخولها برياً.
وتستهدف إسرائيل المناطق المأهولة وغير المأهولة لتخفيف العبء على التقدم البري نحو شارع صلاح الدين، لتعزل جزءاً من المدينة وتقسمها إلى قسمين كي لا تحتلها بكاملها، وهي مهمة مستحيلة لا يمكن وضع جدول زمني لها.
لكن المفاجئ في الأمر هو تقسيم المقاومة الفلسطينية، المدينة إلى مربعات للتعامل مع التقدّم الآلي، حتى اليوم، والتحضّر للتقدم البري للمشاة.
وجاء خروج «كتائب القسام» من الأنفاق لتضرب إسرائيل في معبر آيريز مساء الأحد، وفي موقع تتمركز فيه آليات العدو خلف سياج غزة، لِيَنْسف كل ادعاءات إسرائيل بأنها قضت على الأنفاق وأن منطقة الغلاف - حيث المستوطنات غير القانونية حول غزة - باتت آمنة.
وهذا يؤكد أن إسرائيل لن تستطيع إعادة المستوطنين إلى تلك المدن والقرى التي تشكل «غلاف غزة» لعجْزها عن تقديم الأمن والحماية لهم ما دامت المقاومة الفلسطينية تخرج من أنفاق لم تكتشفها إسرائيل وتضربها حتى في تجمّعاتها العسكرية.
وبغض النظر عن الإصابات التي حققتْها المقاومة في عملية معبر آيريز، إلا أن أهدافها ترمز لضرب معنويات الجيش ومستوطنيه، وتوجيه رسالة بأنه لا يوجد مكان آمن في منطقة الغلاف مثلما تفعل إسرائيل بقصْفها غزة حيث لا مكان آمناً لأي فلسطيني فيها.
وهذه العملية الشجاعة تدلّ على معنويات مرتفعة للمقاومة داخل غزة رغم تعرضها لقصف لم يسبق له مثيل منذ 24 عاماً.
ويدل أيضاً، ليس فقط على روحية أصحاب الأرض، بل أيضاً على حسن التخطيط والتنفيذ للانقضاض على العدو خلف خطوط المناورة والأريحية التي يتمتع بها أعضاء غرفة القيادة والسيطرة، الذين يملكون الميدان ويتحضّرون لتقدم الغزاة تحت النار والقوة الهائلة التي تحاول تل أبيب من خلالها ضرب معنويات المقاتلين وانهاكهم وقتْل عوائلهم المدنيين الآمنين لسلْب روح القتال لديهم.
لكن غزة اعتادت الهجوم الإسرائيلي وعلى المحاور نفسها التي تضربها اليوم، مثلما فعلت في حرب عام 2014. وتالياً فإن لدى المقاومة الخبرة الكافية لموجهة الاجتياح البري الذي تعوّدت عليه غزة ومقاومتها.
ولم تكتف المقاومة بالتصدي للاجتياح، بل تتعامل نفسياً وإعلامياً مع العدو بالطريقة نفسها التي تتبعها إسرائيل لتقلّب الرأي العام ضد الفلسطينيين.
وهي أخرجت فيديو لرهائن إسرائيليات من المدنيين، يسددن ضربة لرئيس الوزراء في صميمه وحيث يؤلمه. إذ اتهمت الأسيرات بنيامين نتنياهو، بالفشل الذي حدث يوم السابع من أكتوبر، وطلبن منه «إطلاق سراحهن الآن» من خلال التبادل مع السجناء الفلسطينيين.
وكان نتنياهو حاول التنصل من المسؤولية عما حدث والتغاضي عن وجود الرهائن الذين فرضت عائلاتهم وضْع هذا الملف كأولوية قصوى بعدما حاول إزاحته من طريقه.
وتعلم «حماس» أن ملف الأسرى، أصبح القضية المركزية داخل المجتمع الإسرائيلي الذي يُطالب بـ«إعادة الكل مقابل إطلاق (الفلسطينيين السجناء) الكل».
وقد اتّهم نتنياهو، أجهزة الأمن والاستخبارات الذين عُيّنوا من قبله بالتقصير لرفْضه تحمّل أي مسؤولية عن فشله وليحمي ظهره عند انتهاء الحرب ومحاولة الخروج سالماً.
إلا أن من المشكوك فيه أن يحصل ذلك وألّا يُحاسب رئيس الوزراء الذي حاول جذْب رئيس المعارضة بيني غانتس ليوزّع المسؤولية عما يحدث لتجنب استغلال المعارضة لفشله مستقبلاً.
لا ثقة بنتنياهو لإدارة الحرب ولا بمجلس الحرب الذي أنشأه. ويحاول أن يبرر للعالم فشله بأنه «يدافع عن إسرائيل»، في حين أنه فشل في تحقيق أمنها وأوجد حالة من اللا يقين بين السكان ويسعى عبثاً لتبرير قتله لأكثر من 8500 فلسطيني وجرْح نحو 30 ألفاً.
إذاً هو تخبط عسكري على الجبهات وسياسياً على المستوى الداخلي تهتزّ له حكومة إسرائيل، فيما تستخدم المقاومة سلاحها وتكتيكاتها العسكرية والإعلامية ببراعة لتضرب الجيش الغازي وقائده رئيس الوزراء ومجلسه العسكري المصغر لدفعه إلى تعديل أهداف الحرب وإبطاء التقدم العسكري داخل المدينة وإعادة تنظيم أولوياته، بحيث أصبحت قضية الرهائن هي الأولى على سلّم الأولويات.
وتدل جميع هذه النقاط على ارتفاع روح المقاومة واستعدادها الجسدي والذهني لإدارة الحرب - حتى ولو اهتزت غزة تحت ضربات القذائف الضخمة - والتصدي للعدو حين يقرّر مواجهة الشجعان وليس التلطي تحت غطاء «القصف السجادي».