رقعة الشطرنج الجديدة في الشرق الأوسط

التحرّك الاستراتيجي للصين في سورية... نتيجة الحرب الأوكرانية

23 سبتمبر 2023 10:00 م
تُعتبر زيارة الرئيس السوري بشار الأسد، للصين حَدَثاً غير عابر في ظلّ الحرب الدائرة على أرض أوكرانيا بين الغرب بزعامةِ الولايات المتحدة وروسيا.
بل إن الرئيس الصيني شي جينبينغ أرسل طائرة رئاسية لاستضافة الأسد الذي تفرض أميركا وأوروبا أقصى العقوبات الاقتصادية عليه، ما يُعد تحدياً مباشراً من بكين للغرب وسياسته في الشرق الأوسط، ما كان ليحصل لو سقطتْ روسيا.
وهذا مؤشر قوي إلى مستوى المواجهة التي بدأت تتصاعد في وجه الأحادية العالمية، واتساع مبدأ التعددية.
عندما بدأت الحرب في سورية عام 2011، لم تكن روسيا في موقع تحضّرت معه لمواجهة أميركا وحلفائها الأقوياء. بل سمح حينها الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف بقصف ليبيا وتغيير النظام فيها بعد دخول حلف شمال الأطلسي (الناتو) على خط الحرب تحت عذر «حماية المدنيين» الذي أتيح من خلاله للطائرات الغربية تدمير إحدى أغنى الدول الأفريقية التي تحولت دولة أكثر فقراً وتشرذماً.
إلا أن تدخُّل روسيا لحماية موقعها العسكري - البحري المهمّ على شاطئ البحر الأبيض المتوسط في قاعدة طرطوس عام 2015 ساهم في دعم الحكومة السورية، من دون أن يخلو الأمر من تحدي رغبة أميركا و«الناتو» في إسقاط الحُكْم في دمشق وتغييره.
وكان هذا التدخل مزيجاً من الوقوف في وجه المخطّط الأميركي، وفي الوقت عينه، كانت روسيا على تواصل مستمر للتنسيق مع أميركا بهدف تفادي اعتبار التدخل الروسي تحدياً مباشراً للغرب.
إلا أن جرس الانذار بدأ يرنّ في أروقة واشنطن التي اعتبرت أن «الدب الروسي» استيقظ قبل أوانه وتالياً يجب إعادته إلى جحره.
لكن حساب موسكو كان مختلفاً: الاستعداد للأسوأ، وهذا ما حصل عند اندلاع الحرب في أوكرانيا بعد رفْض انتشار «الناتو» نحو أوكرانيا وجورجيا، كما صرح الأمين العام للحلف يانس ستولتنبرغ أمام البرلمان الأوروبي.
ومن الواضح أن روسيا استعدت جيداً للعقوبات والحصار الاقتصادي الغربي، ولكنها استطاعتْ أيضاً قلْب نتائج المعركة العسكرية لمصلحتها بعد ترددها في الأشهر الأولى وبناءَ خط دفاع متين أفشل الهجوم المضاد ودمّر مقدرات الجيش الأوكراني رغم الدعم العسكري غير المسبوق الذي يتلقاه من غرفة عمليات «الناتو»، حيث يجتمع قادة عسكريون من 50 دولة حليفة في قاعدة رامشتاين الألمانية تحت قيادة أميركا، كما أكد وزير دفاعها لويد اوستن في أكثر من مناسبة.
ونتج عن هذه المعركة صمود الكرملين مقابل ضعف أوروبا وتشرذمها الحالي لإدراكها عدم جدوى الاستمرار بدعم المجهود الحربي الذي أرهق كاهل الاقتصاد الأوروبي، فيما عملت روسيا والصين بنشاط لجذب مجموعة من الدول – ليس بالضرورة عدوة لأميركا – ترغب برؤية أفق الأحادية ينتهي، وبروز التعددية حيث يَسقط الدولار ومعه الأمبراطورية المالية الأميركية عن عرش العالم.
فعُقدت اجتماعات منظمة شنغهاي وكذلك البريكس ومجموعة الـ77+ الصين وتوسّعت لتشمل دول الجنوب (آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية) وشملت دولاً غنية شرق أوسطية.
وهدفت هذه الاجتماعات لإخراج مقررات تدعو للتعامل بالعملات المحلية وتوسيع عملية الاقتصاد والإنماء وبناء البنية التحتية التي تفتقر إليها دول عدة.
ودخلت الصين بقوة إلى أفريقيا لتبني طرقاً بطول 6000 كيلومتر وسكك حديد بطول 6000 كيلومتر و48 مرفأ جديداً ومجدَّداً لربط القارة السمراء بقارات أخرى وبعضها ببعض.
كما توجّهت نحو دول الشرق الأوسط، معقل أميركا الذي أسست فيه لعقود طويلة، لتنتزع عقوداً واتفاقات لم تكن لتحصل عليها لو فشلت روسيا بالتحدي في أوكرانيا.
وهذا الانتصار نجح بتوحيد الجهود الصينية – الروسية في مجالات عدة في شكل منفرد ومتّحد في دول عدة، منها سورية.
فالصين تملك المال والتكنولوجيا والرجال وتبحث بشكل دائم عن دول جديدة وأسواق تبشّر بالازدهار. ولهذا، توجهت نحو سورية التي لا تخشى تحدي الغرب وتبحث عن دولة مثل الصين تستطيع المساهمة في إعادة بناء البنية التحتية والاتصالات والمواصلات.
إلا أن ذلك لا يمكن أن يحدث من دون موافقة روسيا وإيران، الشريكين للصين، وضمانات بأن إسرائيل ستُردع عن ضرب ما ستعمره بكين بشكل أو بآخر.
ومن المعروف أن الصين لا تدخل في مغامرات غير محسوبة، وتالياً فإن تغييراً حقيقياً من المنتظر أن يتحضّر لبلاد الشام يبدّل الوضع الحالي: شمال سورية الشرقي تحت السيطرة الأميركية، والشمال الغربي تحت السيطرة التركية، وإسرائيل تقصف في شكل متقطع مواقع في الجنوب والوسط السوري.
وتالياً فإن الدخول الصيني من المتوقّع ألّا يكون سريعاً، بل متدرّجاً وبحذر.
أما بالنسبة لسورية، فيدرك قادتُها أن انفتاح الدول المجاورة لم يأتِ بمشاريع بسبب العقوبات الغربية، وأن إيران وروسيا لا تستطيعان تمويل إعادة بناء الدولة بل تقدّمان ما يمكن من الدعم.
ولذلك فإن دخول الصين على الخط يمثل أملاً واعداً، وخصوصاً بعد نجاحها في أفريقيا وآسيا وكذلك بوساطتها بين إيران والسعودية. وهذا يعني أن بكين بدأت نشاطاً ديبلوماسياً في أكثر البقع تعقيداً في العالم، الشرق الأوسط، متحدّيةً أميركا في عقر دارها.