خواطر صعلوك

سردية مُختلف عليها!

7 سبتمبر 2023 10:00 م

أرضٌ طيبةٌ وربٌ غفورٌ، تجمّع حولها الناس من الجهات الأربع، وعاشوا أجمل اللحظات التاريخية التي صاحبت تأسيس كل شيء، وكوّنوا ذكريات مشتركة وحساً جمعياً واحداً... ثم ظهرت الدولة وظهر النفط وظهر التعداد السكاني والأمور المؤسسية التي لابد منها لإدارة دولة... وزاد الناس، ونهضت البلاد كبلدٍ طيب ورب غفور، وعاش الناس أزهى عصور الرفاهية والكرامة الإنسانية، فزادت أمور الدولة المؤسسية التي لابد منها لإدارة الدولة، وزاد الناس وعاشوا، وبعد فاصل زمني حدث الغزو.

ومنذ هذه اللحظة أصبح الناس الذين عاشوا أجمل اللحظات التاريخية لتأسيس كل شيء، يبحثون عن هذه اللحظات الغارقة في الوراء والضاربة بعمقها في النفس والذاكرة والحكاية الشعبية المتداولة.

ولكن لا الواقع ولا السياق يسمح بذلك الآن، لقد ظهر واقع جديد يتطلّب لحظات حاضرة ومستقبلية تصبح في ما بعد لحظات تاريخية تكون الحس الجمعي والذاكرة الوطنية.

فبجانب الشخصيات المهتمة بالتصنيف المناطقي، والتاريخي ومَنْ هم الأكثر كويتية من مَن؟ ومَنْ هو الكويتي حتى النخاع والرقبة ومَنْ هو الكويتي حتى شعر الرأس فقط، وكيف تنطق الكلمات والحروف واللهجة، يجب أن نلتفت بالقوة نفسها إلى اللحظة الحالية والمستقبلية، حتى لا نكون تماماً مثل الذين يبحثون عن اللحظة التاريخية التي كانت الدولة الإسلامية فيها مثال العدل والأمن، فوجدوا أنفسهم على ظهر سيارات يحملون مدافع ويرفعون رايات داعش والقاعدة!

هذا اكتئاب من واقع ضاغط وهروب إلى لحظة تاريخية تأسس فيها كل شيء.

وفي الوقت الذي تُعاني فيه «الأرض الطيبة» من التعليم والإسكان، نجد الناس فيها يتنازعون في لحظة تاريخية ومن له الأحقية فيها، فيُبنى بلد وشعب تاريخي، يُعيد صياغة تاريخه وطرقه ومبانيه وألفاظه ولهجته اليومية التي كانت معاشة في تلك اللحظة التاريخية، ويُثار صراع في المجتمع يُقسّم الناس بين مَنْ له أحقية دخول نادي «اللحظة التاريخية» وبين مَنْ ليس له هذه الأحقية، وتتداخل المفاهيم وتتراكم القوانين... أما الواقع الضاغط على رقاب أبناء البلد حديثي الولادة أو الشباب فلا يجد أحد يهتم بإعادة صياغة حاضرهُ وطرقه ومبانيه وألفاظه وطرق تفكيره ولغته اليومية المعاشة الآن.

إن الحادث المروري الصادم الذي استيقظ عليه أهل الكويت، ليكتشفوا أن هناك أناساً يموتون ويدفنون، وآباء يفقدون أبناءهم وزوجاتهم، ولا يحاسب المتسبّب فوراً بسبب إهمال تشريعي من أعضاء مجلس يلعبون سياسة وليس تشريعاً مجتمعياً منذ مدة طويلة، كان هذا الاكتشاف هو أكبر دليل على أننا غارقون في الماضي ولا نفعل شيئاً سوى الحديث عنه. وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله...أبتر.

moh1alatwan@