رحل ابن الكويت البار الشاعر المبدع يوسف ناصر أخيراً بعد صراع طويل مع المرض، وقد عرفته منذ عقود طويلة من الزمن في منطقة القادسية، حيث كان يكبرني ببضع سنوات.
كما أن أحد أقاربي قريب له، وكان يحدثني كثيراً عنه، وقد التقيته في أكثر من ديوانية منها في ديوانية الفنان الراحل إبراهيم الصولة، وقد كان يميل بطبعه إلى الهدوء، كما أنه يمتاز بالتواضع وبدماثة الخلق.
كان يستحق التكريم الذي تلقّاه في عام 2020م لأنه أمر جميل أن يشعر المبدع بقيمته في المجتمع الذي ينتمي إليه حتى لو كان التكريم رمزياً، لأن التكريم الحقيقي هو قيمته ومكانته في قلوب الناس، وهذا ما نجح فيه الشاعر الراحل يوسف ناصر، لأنه شاعر مبدع، كما أنه يمتاز بإجادة التلحين إلى جانب الشعر العاطفي والوطني الذي كان يتفنّن ويتميز بكتابته، فتلقفته أيادي الملحنين وحرص الكثير من المطربين على غناء إبداعاته محلياً وخليجياً.
واستطاع يوسف ناصر رغم كثرة المبدعين في عصره، أن يخطّ طريقه في الأغنية الكويتية، وقتها كان شارع الأغنية يعج بالكثير من الشعراء المبدعين المعروفة أسماؤهم.
وبالتالي، فإن تقديم اسم جديد عملية ليست سهلة بتاتاً، إلا أنه استطاع أن يصنع اسمه كشاعر مبدع، بل إن أهم ميزة ميّزته أنه لم يقلّد أي شاعر آخر، بل إنه كان مصرّاً منذ البداية على أن يقدّم شخصيته الشعرية التي تحمل بصمته دون أن يسيء إلى أحد، إلا أن البيئة الفنية في ذلك الوقت كانت ترحّب بالمزيد وبالكثير من المبدعين على مستوى صناعة الأغنية.
ولعلّ الفنان الراحل عبدالكريم عبدالقادر كان أكثر من غنّى له بالتعاون مع الملحن الراحل عبدالرحمن البعيجان، فكانوا ثلاثياً فنياً ناجحاً جذب الشهرة والمال عبر شركات الإنتاج الفنية التي كانت تنتج «الكاسيت»، فسيطروا على السوق الكويتية والخليجية رغم المنافسة الشديدة.
وكما هو معروف فإن عمق وبساطة المفردة التي كان يكتبها الشاعر يوسف ناصر هي التي تدفع بالملحن ثم المطرب لتقديم أغنية مميزة.
وبعد شهرته الكبيرة اتصل به العديد من المطربين الخليجيين الذين يبحثون عن الإبداع وفي مقدمهم الفنان محمد عبده الذي قدم له أكثر من أغنية أهمها أغنية «جيتك حبيبي»، حيث قام أحد أصدقائه بترجمتها إلى زوجته الأجنبية، فتأثرت بها كثيراً، بل إنها باتت تطلب سماعها رغم أنها لا تجيد اللغة العربية إلا بضع كلمات قليلة كما كتب له أغنية «انت معاي»، وأغنيات أخرى مع طلال مداح وعبادي الجوهر.
وكتب الشاعر يوسف ناصر أكثر من أوبريت لوزارة التربية، إضافة إلى أغاني المسلسلات الشهيرة مثل «خالتي قماشة»، وغيرها من الأعمال الفنية والغنائية تصدّى لكتابتها وتلحينها بنفس الوقت، كما حدث في أغنية «تحريتك» للفنان الراحل صالح الحريبي وقد نالت نجاحاً كبيراً.
وكان يوسف ناصر متطوراً، إذ تعامل مع الفنانين الشباب بعد انطلاقتهم مثل عبدالله الرويشد ونبيل شعيل ونوال. وليس كل مبدع في الجيل القديم لديه القدرة على التطور ومجاراة العصر. ولا ننسى الأغنية الرياضية مع الملحن القدير يوسف المهنا من خلال أغنية «توكل يا الأزرق».
ولا أعرف تفسير هبوط مستوى الأغنية الكويتية منذ أكثر من عقد من الزمن، خاصة أن الساحة تضم الكثير من المبدعين من شعراء وملحنين ومطربين، وفي مقدمهم يوسف ناصر وبقية زملائه من فرسان الأغنية... إلا أن البيئة الفنية تغيّرت خاصة مع مداهمة الإنترنت الذي قضى على شركات الإنتاج التي توقفت معظمها عن الإنتاج، وعوامل أخرى كان لها التأثير السلبي على الأغنية العربية بشكل عام.
همسة:
رحل يوسف ناصر بجسده وستبقى إبداعاته في ذاكرة الكويت.