كانت الكويت تمتلك القوة الناعمة الأكثر تأثيراً في الوطن العربي بشكل عام وفي منطقة الخليج العربي بشكل خاص، وذلك عبر إبداعات الكويت في مجالات عدة مثل المسرح والدراما وهي الأكثر تأثيراً في دول مجلس التعاون الخليجي، خصوصاً في الستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضي. كما أن القوة الناعمة كانت حاضرة عربياً عبر المطبوعات العربية وفي مقدمتها مجلة العربي، إضافة إلى بقية الإصدارات مثل سلاسل الثقافة العالمية وعالم المعرفة ومجلة الكويت.
تعرّفت في القاهرة على مثقف مصري يحمل الدكتوراه ويعمل أستاذاً في جامعة غربية وكان في زيارة إلى مصر وعندما علم انني من الكويت ذكر فوراً مجلة العربي التي كان يقرأها منذ أن كان طالباً في الجامعة، وقال إنها مجلة ثقافية رائعة كما أن سعرها في متناول الجميع إضافة الى أن ورقها مصقول وبها صور ملوّنة وهو أمر مكلف جداً، كما أنه أشار الى أن مجلة العربي بها ميزة وهي أن من يقرأها لا يعرف من أي بلد عربي تصدر كونها تتناول الكثير من المواضيع العربية، ولا يعرف القارئ أنها من إصدارات الكويت إلا عندما يقرأ المعلومات، كما أنها ومنذ صدورها في الخمسينات كانت بانوراما للثقافة العربية في مختلف العلوم وقد كتب بها الكثير من الأدباء من شعراء وكتاب قصة قصيرة ورواية ونقاد كما أنها كانت المجلة العربية الاكثر شيوعاً وانتشاراً على المستوى العربي، ومن حق الكويت أن تفتخر بهذا المشروع الثقافي الرائع.
وتابع أيضاً أن مستوى مجلة العربي لم يعد كما كان في السابق، وأنه لا يعرف ما الأسباب لهذا الهبوط والتراجع كما أنه تساءل عن عدم توافرها في الأسواق والمحلات العربية كما كان الوضع في السابق.
وأكمل صديقه الذي كان متفقاً مع الحديث، بيد أنه أشار إلى سلسلتي عالم المعرفة والثقافة العالمية، وقال انه عمل ثقافي جبار وأتمنى أن أزور من يعمل بهما في الكويت وأتخيل أن كل سلسلة يعمل بها خلية من النحل في برج ثقافي على حدة، فقلت له ان العاملين في السلسلتين قليل جداً ولا يعملون في برج ثقافي على حد قولك... فصدم الرجل.
واذا عدنا الى العصر الذهبي للثقافة الكويتية فهو في المشاريع الثقافية مثل الأسابيع الثقافية التي كانت تقام في العواصم الثقافية العربية العريقة وكانت تحظى بإقبال وبإعجاب كبير من قِبل أهل الثقافة ورجل الشارع العربي وقتها كان المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب فيه كوكبة من مدمني الثقافة أمثال الشاعر أحمد العدواني والشاعر خليفة الوقيان والأديب سليمان الخليفي وهاشم السبتي وعبدالعزيز السريع والدكتور سليمان العسكري وبمشاركة فاعلة من قِبل الأديب الدكتور سليمان الشطي وبعض الاخوة العرب مثل الدكتور فؤاد زكريا والمترجم صدقي حطاب وآخرين اعتذر عن عدم تذكر أسمائهم، ولا ننسى الدعم الكبير سياسياً وإدارياً من قبل رائد التنوير والتعليم في الكويت الراحل عبدالعزيز حسين.
ولكن بعد عام 1991 تغير كل شيء واختفى وهج الشمعة الثقافية ولم نعد نرى الا إضاءة خجولة متوازنة مع مستوى ما يقدم بشكل عام ولا يعني ذلك عدم وجود مواد ثقافية مميزة في تلك المطبوعات الثقافية.
وتأتي مجلة الكويت التي لها ارث تاريخي للصحافة الكويتية فقد أصدرها أحد رواد التنوير الشيخ عبدالعزيز الرشيد اذ صدرت في يونيو من عام 1928، ولقد تعاقب عليها العديد من الشخصيات التي ترأست تحريرها وحسناً فعلت وزارة الاعلام بالتكفّل بإصدارها نظراً لقيمتها التاريخية بيد انها بحاجة الى اعادة تقييم لما باتت تقدمه في السنوات الأخيرة وفريق العمل الذي يديرها خصوصاً رئيسة التحرير الحالية فلم أقرأ لها أي مقالة أو أي مشاركة صحافية مع احترامي الشديد لها لأنها لم يسبق وان عملت في الصحافة.
ولقد توقفت مجلة «فنون» التي كانت تصدر من قِبل المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب التي لم يكن حالها افضل من حال مجلة الكويت حيث إن مدير التحرير شاعر شاب لا خبرة له في الصحافة وكان يديرها سكرتير تحرير عربي يتبع فلسفة خاصة به وكان يشتغل وقت عمل المجلة في كتابة رسالته الاكاديمية كما انه كان يستعين بمستشار للفنون التشكيلية، رغم انه ترك العمل بالمجلة رسمياً وعندما سئل وزير الاعلام وقتها عنه في مجلس الامة أكد انه لم يعد يعمل بينما اسمه مكتوب على المجلة انه مستشار، لذا نأمل من وزير الاعلام الاهتمام بالمجلات الثقافية.
همسة:
قد تكون المجلات الثقافية سلاحاً مؤثراً إن أحسنّا إدارتها.